فِيهَا (وَلَمْ يُحْكَمْ لَهُ) بِمَا ادَّعَاهُ لِحَدِيثِ " لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ " (وَإِنْ كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ سَمِعَهَا الْحَاكِمُ وَحَكَمَ بِهَا فِي حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ) لِحَدِيثِ هِنْدٍ امْرَأَةِ أَبِي سُفْيَانَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ وَلَيْسَ يُعْطِينِي مِنْ النَّفَقَةِ مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي فَقَالَ: «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَقَضَى لَهَا وَلَمْ يَكُنْ أَبُو سُفْيَانَ حَاضِرًا وَلِأَنَّ الْمُدَّعِيَ هُنَا لَهُ بَيِّنَةٌ حَاضِرَةٌ فَجَازَ الْحُكْمُ بِهَا كَمَا لَوْ كَانَ الْخَصْمُ حَاضِرًا وَأَمَّا تَقْيِيدُ الشَّافِعِيَّةِ بِمَسَافَةِ الْقَصْرِ وَلِأَنَّ مَا دُونَهَا فِي حُكْمِ الْإِقَامَةِ وَأَمَّا الْمُسْتَتِرُ فَلِأَنَّهُ مُتَعَذِّرُ الْحُضُورِ أَشْبَهَ الْغَائِبَ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الْغَائِبَ قَدْ يَكُونُ مَعْذُورًا بِخِلَافِ الْمُسْتَتِرِ وَالْمَيِّتُ كَالْغَائِبِ بَلْ أَوْلَى لِأَنَّ الْغَائِبَ قَدْ يَحْضُرُ بِخِلَافِ الْمَيِّتِ، وَالصَّغِيرُ وَالْمَجْنُونُ كَالْغَائِبِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يُعَبِّرُ عَلَى نَفْسِهِ " تَنْبِيهٌ " قَوْلُهُ وَلَوْ فِي غَيْرِ عَمَلِهِ مُقْتَضَاهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ فِي عَمَلِهِ وَقَالَ فِي شَرْحِهِ لِأَنَّهُ إذَا كَانَ بِعَمَلِهِ أَحْضَرَهُ لِيَكُونَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ مَعَ حُضُورِهِ.
وَ (لَا) يَقْضِي عَلَى الْغَائِبِ (فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى كَالزِّنَا وَالسَّرِقَةِ) لِأَنَّ مَبْنَى حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْمُسَامَحَةِ (لَكِنْ يَقْضِي فِي السَّرِقَةِ بِالْمَالِ فَقَطْ) لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ (وَلَيْسَ تَقَدَّمَ الْإِنْكَارِ فِي الدَّعْوَى عَلَى غَائِبٍ وَنَحْوِهِ شَرْعًا) إذْ الْغَيْبَةُ وَنَحْوُهَا كَالسُّكُوتِ وَالْبَيِّنَةِ تُسْمَعُ عَلَى سَاكِتٍ لَكِنْ لَوْ قَالَ هُوَ مُعْتَرِفٌ وَأَنَا أُقِيمُ الْبَيِّنَةَ اسْتِظْهَارًا لَمْ تُسْمَعْ وَقَالَهُ الْأَزَجِيُّ ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ مِنْ التَّرْغِيبِ.
(وَلَا يَلْزَمُ الْمُدَّعِي أَنْ يَحْلِفَ) مَعَ بَيِّنَتِهِ التَّامَّةِ (أَنَّ حَقَّهُ بَاقٍ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ» وَكَمَا لَوْ كَانَتْ عَلَى حَاضِرٍ بِخِلَافِ مَا إذَا أَقَامَ شَاهِدًا فَإِنَّهُ يَحْلِفُ مَعَهُ (وَالِاحْتِيَاطُ تَحْلِيفُهُ خُصُوصًا فِي هَذِهِ الْأَزْمِنَةِ) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَضَاءٌ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ وَكَمَا لَوْ كَانَ حَاضِرًا فَادَّعَى بَعْضَ ذَلِكَ (وَلَا يَلْزَمُ الْقَاضِي نَصْبَ مَنْ يُنْكِرُ أَوْ يُحْبَسُ بِغَيْرِهِ عَنْ الْغَائِب لِأَنَّ تَقَدُّمَ الْإِنْكَارِ لَيْسَ شَرْطًا كَمَا سَبَقَ) ثُمَّ إذَا قَدِمَ الْغَائِبُ وَبَلَغَ الصَّغِيرُ وَرَشَدَ وَأَفَاقَ الْمَجْنُونُ وَظَهَرَ الْمُسْتَتِرُ فَهُمْ عَلَى حِجَجِهِمْ (لِأَنَّ الْمَانِعَ إذَا زَالَ صَارُوا كَالْحَاضِرِينَ الْمُكَلَّفِينَ وَإِنْ قَدِمَ الْغَائِبُ قَبْلَ الْحُكْمِ وَقَفَ الْحُكْمُ) عَلَى حُضُورِهِ وَلَمْ تَجِبْ إعَادَةُ الْبَيِّنَةِ لَكِنْ يُخْبِرُهُ بِالْحَالِ وَيُمَكِّنُهُ مِنْ الْجَرْحِ.
(وَلَوْ جَرَحَ الْبَيِّنَةَ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ أَوْ) جَرَحَهَا (مُطْلَقًا) بِأَنْ لَمْ يَغُرَّهُ لِمَا قَبْلَ الشَّهَادَةِ وَلَا لِمَا بَعْدَهَا (لَمْ يَقْبَلْ) تَجْرِيحُهُ لَهَا (لِجَوَازِ كَوْنِهِ بَعْدَ الْحُكْمِ فَلَا يَقْدَحُ فِيهِ) أَيْ فِي الْحُكْمِ (وَإِنْ جَرَحَهَا بِأَمْرٍ) مُفَسِّقٍ (كَانَ قَبْلَ) أَدَاءَ (الشَّهَادَةِ قَبِلَ) بِالْبَيِّنَةِ (وَبَطَلَ الْحُكْمُ) لِفَقْدِ شَرْطِهِ وَهُوَ عَدَالَةُ الْبَيِّنَةِ.
(وَلَا يَمِينَ مَعَ بَيِّنَةٍ كَامِلَةٍ) فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute