للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَكُونُ مِنْ فَوَائِدِ ذَلِكَ وَثَوَابِهِ فِي الدُّنْيَا، أَنْ يَهْدِيَهُ اللَّهُ إلَى أَنْ يَتَقَرَّبَ بِهَا إلَيْهِ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ طَلَبْنَا الْعَلَمَ لِغَيْرِ اللَّهِ فَأَبَى أَنْ يَكُونَ إلَّا لِلَّهِ وَقَوْلُ الْآخَرِ طَلَبُهُمْ لَهُ نِيَّةٌ يَعْنِي نَفْسُ طَلَبِهِ حَسَنٌ يَنْفَعُهُمْ.

قَالَ أَحْمَدُ وَيَجِبُ أَنْ يَطْلُبَ مِنْ الْعِلْمِ مَا يَقُومُ بِهِ دِينُهُ قِيلَ لَهُ: فَكُلُّ الْعِلْمِ يَقُومُ بِهِ دِينُهُ قَالَ: الْفَرْضُ الَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ فِي نَفْسِهِ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ طَلَبِهِ قِيلَ: مِثْلُ أَيِّ شَيْءٍ؟ قَالَ: الَّذِي لَا يَسَعُهُ جَهْلُهُ: صَلَاتُهُ، وَصِيَامُهُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ وَمُرَادُ أَحْمَدَ مَا يَتَعَيَّنُ وُجُوبُهُ وَإِنْ لَمْ يَتَعَيَّنْ فَفَرْضُ كِفَايَةٍ ذَكَرَهُ الْأَصْحَابُ فَمَتَى قَامَتْ طَائِفَةٌ بِعِلْمٍ لَا يَتَعَيَّنُ، وُجُوبُهُ قَامَتْ بِفَرْضِ كِفَايَةٍ ثُمَّ مَنْ تَلَبَّسَ بِهِ فَنَفْلٌ فِي حَقِّهِ، وَوُجُوبُهُ مَعَ قِيَامِ غَيْرِهِ بِهِ دَعْوَى تَفْتَقِرُ إلَى دَلِيلٍ وَلْيَحْذَرْ الْعَالِمُ وَيَجْتَهِدْ، فَإِنَّ ذَنْبَهُ أَشَدُّ نَقَلَ الْمَرْوَزِيُّ: الْعَالِمُ يُقْتَدَى بِهِ لَيْسَ الْعَالِمُ مِثْلَ الْجَاهِلِ، وَمَعْنَاهُ لِابْنِ الْمُبَارَكِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ: يُغْفَرُ لِسَبْعِينَ جَاهِلًا قَبْلَ أَنْ يُغْفَرَ لِعَالِمٍ وَاحِدٍ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَالِمٌ لَمْ يَنْفَعْهُ اللَّهُ بِعِلْمِهِ فَذَنْبُهُ مِنْ جِنْسِ ذَنْبِ الْيَهُودِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

وَفِي آدَابِ عُيُونِ الْمَسَائِلِ: الْعِلْمُ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ، وَأَقْرَبُ الْعُلَمَاءِ إلَى اللَّهِ وَأَوْلَاهُمْ بِهِ: أَكْثَرُهُمْ لَهُ خَشْيَةً (ثُمَّ صَلَاةٌ) لِمَا رَوَى سَالِمُ بْنُ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ ثَوْبَانَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا، وَاعْلَمُوا أَنَّ خَيْرَ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةُ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ، وَإِسْنَادُهُ ثِقَاتٌ إلَى سَالِمٍ قَالَ أَحْمَدُ: سَالِمٌ لَمْ يَلْقَ ثَوْبَانَ بَيْنَهُمَا شَعْبَانُ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ وَلَهُ طُرُقٌ فِيهَا ضَعْفٌ.

؛ وَلِأَنَّ فَرْضَهَا آكَدُ الْفُرُوضِ فَتَطَوُّعُهَا آكَدُ التَّطَوُّعَاتِ؛ وَلِأَنَّهَا تَجْمَعُ أَنْوَاعًا مِنْ الْعِبَادَةِ: الْإِخْلَاصَ، وَالْقِرَاءَةَ، وَالرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ، وَمُنَاجَاةَ الرَّبِّ، وَالتَّوَجُّهَ إلَى الْقِبْلَةِ، وَالتَّسْبِيحَ، وَالتَّكْبِيرَ، وَالصَّلَاةَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَنَصَّ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ: أَنَّ الطَّوَافَ لِغَرِيبٍ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) نَقَلَ حَنْبَلٌ: نَرَى لِمَنْ قَدِمَ مَكَّةَ أَنْ يَطُوفَ؛ لِأَنَّ الطَّوَافَ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ وَالصَّلَاةُ بَعْدَ ذَلِكَ.

وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: الطَّوَافُ لِأَهْلِ الْعِرَاقِ، وَالصَّلَاةُ لِأَهْلِ مَكَّةَ وَكَذَا عَطَاءٌ.

وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَخْتَصُّ بِمَكَانٍ، فَيُمْكِنُ التَّنَفُّلُ بِهَا مِنْ أَيِّ مَكَان أَرَادَ، بِخِلَافِ الطَّوَافِ (ثُمَّ سَائِرُ مَا تَعَدَّى نَفْعُهُ مِنْ عِيَادَةِ مَرِيضٍ، وَقَضَاءِ حَاجَةِ مُسْلِمٍ وَإِصْلَاحٍ بَيْنِ النَّاسِ وَنَحْوِهِ) كَإِبْلَاغِ حَاجَةِ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إبْلَاغَهَا إلَى ذِي سُلْطَانٍ؛ لِأَنَّ نَفْعَهُ مُتَعَدٍّ أَشْبَهَ الصَّدَقَةَ.

وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا: «أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالصَّدَقَةِ؟ قَالُوا: بَلَى قَالَ: إصْلَاحُ ذَاتِ الْبَيْنِ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ الْبَيْنِ هِيَ الْحَالِقَةُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ:

<<  <  ج: ص:  >  >>