اتِّبَاعُ الْجِنَازَةِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّلَاةِ؛ وَلِهَذَا حَمَلَ صَاحِبُ الْمُحَرَّرِ وَغَيْرُهُ أَفْضَلِيَّةَ الصَّلَاةِ عَلَى النَّافِعِ الْقَاصِرِ كَالْحَجِّ، وَإِلَّا فَالْمُتَعَدِّي أَفْضَلُ (وَهُوَ) أَيْ مَا تَعَدَّى نَفْعُهُ (مُتَفَاوِتٌ، فَصَدَقَةٌ عَلَى قَرِيبٍ مُحْتَاجٍ أَفْضَلُ مِنْ عِتْقِ) أَجْنَبِيٍّ؛ لِأَنَّهَا صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ (وَعِتْقٌ أَفْضَلُ مِنْ صَدَقَةٍ عَلَى أَجْنَبِيٍّ) ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ تَخْلِيصِهِ مِنْ أَسْرِ الرِّقِّ (إلَّا زَمَنَ غَلَاءٍ وَحَاجَةٍ) فَالصَّدَقَةُ، حَتَّى عَلَى الْأَجْنَبِيِّ، أَفْضَلُ مِنْ الْعِتْقِ لِمَسِيسِ الْحَاجَةِ إلَيْهَا (ثُمَّ حَجٌّ) لِحَدِيثِ: «الْحَجُّ جِهَادُ كُلِّ ضَعِيفٍ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُ.
وَفِي الْبَابِ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَهَرَ مِنْ ذَلِكَ، أَنَّ نَفْلَ الْحَجِّ أَفْضَلُ مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، وَمِنْ الْعِتْقِ، وَمِنْ الْأُضْحِيَّةِ قَالَ: وَعَلَى ذَلِكَ إنْ مَاتَ فِي الْحَجِّ مَاتَ شَهِيدًا قَالَ: وَعَلَى هَذَا فَالْمَوْتُ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ أَوْلَى بِالشَّهَادَةِ، عَلَى مَا سَبَقَ وَلِلتِّرْمِذِيِّ - قَالَ: حَسَنٌ غَرِيبٌ - عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا «مَنْ خَرَجَ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى يَرْجِعَ» وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَالْأَصْحَابِ وَبَقِيَّةِ الْعُلَمَاءِ: أَنَّ الْمَرْأَةَ كَالرَّجُلِ فِي اسْتِحْبَابِ التَّطَوُّعِ بِالْحَجِّ، لِمَا سَبَقَ وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ: لَيْسَ يُشْبِهُ الْحَجَّ شَيْءٌ، لِلتَّعَبِ الَّذِي فِيهِ وَلِتِلْكَ الْمَشَاعِرِ.
وَفِيهِ مَشْهَدٌ لَيْسَ فِي الْإِسْلَامِ مِثْلُهُ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ وَفِيهِ إنْهَاكُ الْمَالِ وَالْبَدَنِ، وَإِنْ مَاتَ بِعَرَفَةَ فَقَدْ طَهُرَ مِنْ ذُنُوبِهِ (ثُمَّ عِتْقٌ) هَكَذَا فِي الْمُبْدِعِ، وَهُوَ مَعْنَى كَلَامِ الْفُرُوعِ فِيمَا سَبَقَ وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِ: أَنَّ الْعِتْقَ أَفْضَلُ مِنْ الْحَجِّ؛ لِأَنَّهُ مِمَّا يَتَعَدَّى نَفْعُهُ، كَمَا هُوَ مُقْتَضَى كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَوَّلًا (ثُمَّ صَوْمٌ) لِحَدِيثِ «كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إلَّا الصَّوْمَ، فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ» وَإِنَّمَا أَضَافَ اللَّهُ تَعَالَى إلَيْهِ الصَّوْمَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُعْبَدْ بِهِ غَيْرُهُ فِي جَمِيعِ الْمِلَلِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَإِضَافَةُ عِبَادَةٍ إلَى غَيْرِ اللَّهِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ لَا يُوجِبُ عَدَمَ أَفْضَلِيَّتِهَا فِي الْإِسْلَامِ فَإِنَّ الصَّلَاةَ فِي الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَعْظَمُ مِنْهَا فِي مَسْجِدٍ مِنْ مَسَاجِدِ قُرَى الشَّامِ إجْمَاعًا وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ الْمَسْجِدُ مَا عُبِدَ فِيهِ غَيْرُ اللَّهِ قَطُّ وَقَدْ أَضَافَهُ اللَّهُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} [الجن: ١٨] فَكَذَا الصَّلَاةُ مَعَ الصَّوْمِ.
وَقِيلَ: أَضَافَ الصَّوْمَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَطَّلِعُ إلَيْهِ غَيْرُهُ وَهَذَا لَا يُوجِبُ أَفْضَلِيَّتَهُ «وَسَأَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلٌ أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: عَلَيْك بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ» إسْنَادُهُ حَسَنٌ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ فَإِنْ صَحَّ فَمَا سَبَقَ أَصَحُّ ثُمَّ يُحْمَلُ عَلَى غَيْرِ الصَّلَاةِ، أَوْ بِحَسَبِ السَّائِلِ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَكَذَلِكَ اخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ بِحَسَبِهِ وَقَالَ فِي الرَّدِّ عَلَى الرَّافِضِيِّ: وَقَدْ يَكُونُ كُلُّ وَاحِدٍ أَفْضَلُ فِي حَالٍ، كَفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُلَفَائِهِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -، بِحَسَبِ الْحَاجَةِ وَالْمَصْلَحَةِ وَيُوَافِقُهُ قَوْلُ أَحْمَدَ لِإِبْرَاهِيمَ بْنِ جَعْفَرٍ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute