أَتَمَّ لِحَدِيثِ جَابِرٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدِمَ مَكَّةَ صَبِيحَةَ رَابِعِ ذِي الْحَجَّةِ فَأَقَامَ بِهَا الرَّابِعَ وَالْخَامِسَ وَالسَّادِسَ وَالسَّابِعَ وَصَلَّى الصُّبْحَ فِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ ثُمَّ خَرَجَ إلَى مِنًى وَكَانَ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ» وَقَدْ أَجْمَعَ عَلَى إقَامَتِهَا، وَقَالَ أَنَسٌ أَقَمْنَا بِمَكَّةَ عَشْرًا نَقْصُرُ الصَّلَاةَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
قَالَ الْأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَذْكُرُ حَدِيثَ أَنَسٍ وَيَقُولُ: هُوَ كَلَامٌ لَيْسَ يَفْقَهُهُ كُلُّ أَحَدٍ وَجْهَهُ: أَنَّهُ حَسَبَ مُقَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَكَّةَ وَمِنًى وَلَيْسَ لَهُ وَجْهٌ غَيْرُ هَذَا.
الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ الْمَذْكُورَةُ بِقَوْلِهِ (أَوْ شَكَّ فِي نِيَّتِهِ هَلْ نَوَى) إقَامَةَ (مَا يُمْنَعُ الْقَصْرَ أَمْ لَا؟ أَتَمَّ) ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ فَلَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ مَعَ الشَّكِّ فِي مُبِيحِ الرُّخْصَةِ.
(وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَنْوِ إقَامَةَ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ صَلَاةً بِأَنْ نَوَى عِشْرِينَ فَأَقَلَّ (قَصَرَ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَيَوْمُ الدُّخُولِ وَيَوْمُ الْخُرُوجِ يُحْسَبَانِ مِنْ الْمُدَّةِ) فَلَوْ دَخَلَ عِنْدَ الزَّوَالِ احْتَسَبَ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْيَوْمِ وَلَوْ خَرَجَ عِنْدَ الْعَصْرَ احْتَسَبَ بِمَا مَضَى مِنْ الْيَوْمِ.
(وَإِنْ أَقَامَ) الْمُسَافِرُ (لِقَضَاءِ حَاجَةٍ) يَرْجُو نَجَاحَهَا أَوْ جِهَادِ عَدُوٍّ وَسَوَاءٌ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ انْقِضَاءُ حَاجَتِهِ فِي مُدَّةٍ يَسِيرَةٍ أَوْ كَثِيرَةٍ بَعْدَ أَنْ يُحْتَمَلَ انْقِضَاؤُهَا فِي مُدَّةٍ لَا يَنْقَطِعُ حُكْمُ السَّفَرِ بِهَا (بِلَا نِيَّةِ إقَامَةٍ تَقْطَعُ حُكْمَ السَّفَرِ) وَهِيَ إقَامَةُ أَكْثَرَ مِنْ عِشْرِينَ صَلَاةً (وَلَا يَعْلَمُ قَضَاءَ الْحَاجَةِ قَبْلَ الْمُدَّةِ) أَيْ مُدَّةٍ مِنْ عِشْرِينَ صَلَاةً.
(وَلَوْ) كَانَ الْعِلْمُ (ظَنًّا) لِإِجْرَائِهِ مَجْرَى الْيَقِينِ، حَيْثُ يَتَعَذَّرُ أَوْ يَتَعَسَّرُ (أَوْ حُبِسَ ظُلْمًا، أَوْ حَبَسَهُ مَطَرٌ أَوْ مَرَضٌ وَنَحْوُهُ) كَثَلْجٍ وَجَلِيدٍ (قَصَرَ أَبَدًا) ؛ لِأَنَّهُ «- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَامَ بِتَبُوكَ عِشْرِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ تَفَرَّدَ مَعْمَرٌ بِرَاوِيَتِهِ مُسْنَدًا وَرَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ مُرْسَلًا.
«وَلَمَّا فَتَحَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ أَقَامَ فِيهَا تِسْعَ عَشْرَةَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ أَنَسٌ أَقَامَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَامَهُرْمُزَ تِسْعَةَ أَشْهُرٍ يَقْصُرُونَ الصَّلَاةَ رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْمُسَافِرَ يَقْصُرُ مَا لَمْ يَجْمَعْ إقَامَةً وَلَوْ أَتَى عَلَيْهِ سُنُونَ وَرَوَى الْأَثْرَمُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ أَقَامَ بِأَذْرَبِيجَانَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ يَقْصُرُ الصَّلَاةَ، وَقَدْ حَالَ الثَّلْجُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الدُّخُولِ فَإِنْ حُبِسَ بِحَقٍّ لَمْ يَقْصُرْ وَعَنْ عَلِيٍّ قَالَ يَقْصُرُ الَّذِي يَقُولُ: أَخْرُجُ الْيَوْمَ، أَخْرُجُ غَدًا: شَهْرًا وَعَنْ سَعِيدٍ أَنَّهُ أَقَامَ فِي بَعْضِ قُرَى الشَّامِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا يَقْصُرُ الصَّلَاةَ رَوَاهُمَا سَعِيدٌ (فَإِنْ) أَقَامَ لِحَاجَةٍ، وَ (عَلِمَ) أَوْ ظَنَّ (أَنَّهَا لَا تَنْقَضِي فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ لَزِمَهُ الْإِتْمَامُ) كَمَا لَوْ نَوَى إقَامَةً
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute