نَقَلَ التَّحْوِيلَ جَمَاعَةٌ لَمْ يَنْقُلْ أَحَدٌ مِنْهُمْ أَنَّهُ جَعَلَ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ وَيَبْعُدُ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَرَكَ ذَلِكَ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ لِثِقَلِ الرِّدَاءِ فَائِدَةٌ قَالَ النَّوَوِيُّ: فِيهِ اسْتِحْبَابُ اسْتِقْبَالِهَا، أَيْ الْقِبْلَةِ لِلدُّعَاءِ وَيُلْحَقُ بِهِ الْوُضُوءُ وَالتَّيَمُّمُ وَالْقِرَاءَةُ وَسَائِرُ الطَّاعَاتِ إلَّا مَا خَرَجَ بِدَلِيلٍ كَالْخُطْبَةِ وَسَبَقَ مَعْنَاهُ عَنْ صَاحِبِ الْفُرُوعِ فِي بَابِ الْوُضُوءِ.
(وَيَفْعَلُ النَّاسُ كَذَلِكَ) أَيْ يُحَوِّلُونَ أَرْدِيَتَهُمْ، فَيَجْعَلُونَ مَا عَلَى الْأَيْمَنِ عَلَى الْأَيْسَرِ وَمَا عَلَى الْأَيْسَرِ عَلَى الْأَيْمَنِ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثَبَتَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ، مَا لَمْ يَقُمْ دَلِيلٌ عَلَى اخْتِصَاصِهِ، كَيْفَ وَقَدْ عُقِلَ الْمَعْنَى؟ وَهُوَ التَّفَاؤُلُ بِقَلْبِ مَا بِهِمْ مِنْ الْجَدْبِ إلَى الْخِصْبِ؟ بَلْ رُوِيَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ " أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَوَّلَ رِدَاءَهُ لِيَتَحَوَّلَ الْقَحْطُ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ (وَيَتْرُكُونَهُ) أَيْ الرِّدَاءَ مَحْمُولًا (حَتَّى يَنْزِعُوهُ مَعَ ثِيَابِهِمْ) لِعَدَمِ نَقْلِ إعَادَتِهِ.
وَظَاهِرُ مَا سَبَقَ: لَا تَحْوِيلَ فِي كُسُوفٍ، وَلَا حَالَةِ الْأَمْطَارِ وَالزَّلْزَلَةِ، صَرَّحَ بِهِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ (وَيَدْعُوا سِرًّا) لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إلَى الْإِخْلَاصِ، وَأَبْلَغُ فِي الْخُشُوعِ وَالْخُضُوعِ، وَأَسْرَعُ فِي الْإِجَابَةِ قَالَ تَعَالَى {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً} [الأعراف: ٥٥] (حَالَ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ، فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إنَّك أَمَرْتنَا بِدُعَائِك، وَوَعَدْتنَا إجَابَتَك، وَقَدْ دَعَوْنَاك كَمَا أَمَرْتنَا، فَاسْتَجِبْ لَنَا كَمَا وَعَدْتنَا، إنَّك لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ) لِأَنَّ فِي ذَلِكَ اسْتِنْجَازًا لِمَا وَعَدَ مِنْ فَضْلِهِ حَيْثُ قَالَ {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: ١٨٦] فَإِنْ دَعَا بِغَيْرِ ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ، قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ (فَإِذَا فَرَغَ مِنْ الدُّعَاءِ اسْتَقْبَلَهُمْ، ثُمَّ حَثَّهُمْ عَلَى الصَّدَقَةِ وَالْخَيْرِ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَدْعُو لِلْمُؤْمِنَاتِ وَيَقْرَأُ مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ ثُمَّ يَقُولُ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ وَلِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ وَقَدْ تَمَّتْ، الْخُطْبَةُ) ذَكَرَهُ السَّامِرِيُّ.
(فَإِنْ سُقُوا) فَذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَنِعْمَتِهِ (وَإِلَّا عَادُوا فِي الْيَوْمِ الثَّانِي وَ) الْيَوْمِ (الثَّالِثِ، وَأَلَحُّوا فِي الدُّعَاءِ) لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي التَّضَرُّعِ وَقَدْ رُوِيَ «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُلِحِّينَ فِي الدُّعَاءِ» وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَى ذَلِكَ، فَاسْتُحِبَّ كَالْأَوَّلِ قَالَ أَصْبَغُ: اُسْتُسْقِيَ لِلنِّيلِ بِمِصْرَ خَمْسَةً وَعِشْرِينَ مَرَّةً مُتَوَالِيَةً، وَحَضَرَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ وَابْنُ وَهْبٍ وَجَمْعٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute