للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء: ٨٣] وَقَوْلُ يَعْقُوبَ {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ} [يوسف: ٨٦] قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: وَكَذَلِكَ مَنْ شَكَا إلَى النَّاسِ، وَهُوَ فِي شَكْوَاهُ رَاضٍ بِقَضَاءِ اللَّهِ، لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ جَزَعًا، أَلَمْ تَسْمَعْ «قَوْلَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِجِبْرِيلَ فِي مَرَضِهِ أَجِدُنِي مَغْمُومًا، وَأَجِدُنِي مَكْرُوبًا» وَقَوْلُهُ لِعَائِشَةَ " بَلْ أَنَا وَارَأْسَاهُ " ذَكَرَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ.

(وَيُحْسِنُ) الْمَرِيضُ (ظَنَّهُ بِرَبِّهِ قَالَ بَعْضُهُمْ وُجُوبًا) لِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي» زَادَ أَحْمَدُ «إنْ ظَنَّ بِي خَيْرًا فَلَهُ وَإِنْ ظَنَّ شَرًّا فَلَهُ» .

وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى «مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَالَ: يَدُلُّ عَلَى اسْتِحْبَابِ تَحْسِينِ، الْعَبْدِ ظَنَّهُ عِنْدَ إحْسَاسِهِ بِلِقَاءِ اللَّهِ، لِئَلَّا يَكْرَهَ أَحَدٌ لِقَاءَ اللَّهِ، يَوَدُّ أَنْ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى خِلَافِ، مَا يَكْرَهُهُ، وَالرَّاجِي الْمَسْرُورُ يَوَدُّ زِيَادَةَ ثُبُوتِ مَا يَرْجُو حُصُولَهُ.

(وَيُغَلِّبُ، الرَّجَاءَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف: ١٥٦] وَفِي الصِّحَّةِ يُغَلِّبُ الْخَوْفَ لِحَمْلِهِ عَلَى الْعَمَلِ (وَنَصُّهُ: يَكُونُ خَوْفُهُ وَرَجَاؤُهُ وَاحِدًا فَأَيُّهُمَا غَلَبَ صَاحِبَهُ هَلَكَ قَالَ الشَّيْخُ: هَذَا الْعَدْلُ) لِأَنَّ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ حَالُ الْخَوْفِ أَوْقَعَهُ فِي نَوْعٍ مِنْ الْيَأْسِ وَالْقُنُوطِ إمَّا فِي نَفْسِهِ وَإِمَّا فِي أُمُورِ النَّاسِ وَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ حَالُ الرَّجَاءِ بِلَا خَوْفٍ أَوْقَعَهُ فِي نَوْعٍ مِنْ الْأَمْنِ لِمَكْرِ اللَّهِ، إمَّا فِي نَفْسِهِ وَإِمَّا فِي النَّاسِ وَالرَّجَاءُ بِحَسَبِ رَحْمَةِ اللَّهِ الَّتِي سَبَقَتْ غَضَبَهُ يَجِبُ تَرْجِيحُهُ كَمَا «قَالَ تَعَالَى أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي فَلْيَظُنَّ بِي خَيْرًا» وَأَمَّا الْخَوْفُ فَيَكُونُ بِالنَّظَرِ إلَى تَفْرِيطِ الْعَبْدِ وَتَعَدِّيهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَدْلٌ لَا يُؤَاخِذُ إلَّا بِالذَّنْبِ.

فَائِدَةٌ يَنْبَغِي لِلْمَرِيضِ أَنْ يَشْتَغِلَ بِنَفْسِهِ وَمَا يَعُودُ عَلَيْهِ ثَوَابُهُ مِنْ قِرَاءَةٍ وَذِكْرٍ وَصَلَاةٍ وَاسْتِرْضَاءِ خَصْمٍ وَزَوْجَةٍ وَجَارٍ وَكُلِّ مَنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ عُلْقَةٌ، وَيُحَافِظُ عَلَى الصَّلَوَاتِ وَاجْتِنَابِ النَّجَاسَاتِ وَيَصْبِرُ عَلَى مَشَقَّةِ ذَلِكَ، وَيَتَعَاهَدُ نَفْسَهُ بِتَقْلِيمِ أَظْفَارِهِ، وَأَخْذِ عَانَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَيَعْتَمِدُ عَلَى اللَّهِ فِيمَنْ يُحِبُّ، وَيُوصِي لِلْأَرْجَحِ فِي نَظَرِهِ (وَيُكْرَهُ الْأَنِينُ) لِأَنَّهُ يُتَرْجِمُ عَنْ الشَّكْوَى مَا لَمْ يَغْلِبْهُ.

(وَ) يُكْرَهُ (تَمَنِّي الْمَوْتِ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ) وَكَذَا إنْ لَمْ يَنْزِلْ بِهِ ضَرٌّ وَيُحْمَلُ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمْ الْمَوْتَ مِنْ ضُرٍّ أَصَابَهُ، فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتْ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي وَتَوَفَّنِي إذَا كَانَتْ الْوَفَاةُ

<<  <  ج: ص:  >  >>