تَعَالَى {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} [عبس: ٢١] وَلِأَنَّ فِي تَرْكِهِ أَذًى وَهَتْكًا لِحُرْمَتِهِ وَحَمْلُهُ وَسِيلَةٌ لِدَفْنِهِ.
وَصَرَّحَ فِي الْمَذْهَبِ بِاسْتِحْبَابِهِ وَأَمَّا اتِّبَاعُهُ فَسُنَّةٌ، وَيَأْتِي لِخَبَرِ الْبَرَاءِ (وَيُكْرَهُ أَخْذُ أُجْرَةٍ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ) يَعْنِي الْغُسْلَ وَالتَّكْفِينَ وَالْحَمْلَ وَالدَّفْنَ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: كَرِهَ أَحْمَدُ لِلْغَاسِلِ وَالْحَفَّارِ أَخْذَ أُجْرَةٍ عَلَى عَمَلِهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُحْتَاجًا فَيُعْطَى مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَإِنْ تَعَذَّرَ أُعْطِيَ بِقَدْرِ عَمَلِهِ.
(وَيَأْتِي) فِي الْإِجَارَةِ أَنَّ مَا يَخْتَصُّ أَنْ يَكُونَ فَاعِلُهُ مِنْ أَهْلِ الْقُرْبَةِ لَا يَجُوزُ أَخْذُ الْأُجْرَةِ عَلَيْهِ بَلْ وَلَا الرِّزْقُ وَلَا الْجَعَالَةُ عَلَى مَا لَا يَتَعَدَّى نَفْعُهُ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالْحَجِّ (فَلَوْ دُفِنَ قَبْلَ الْغُسْلِ مَنْ أَمْكَنَ غُسْلُهُ لَزِمَ نَبْشُهُ) وَأَنْ يُخْرَجَ وَيُغَسَّلَ، تَدَارُكًا لِوَاجِبِ غُسْلِهِ (مَا لَمْ يُخَفْ تَفَسُّخُهُ أَوْ تَغَيُّرُهُ) فَإِنْ خِيفَ ذَلِكَ تُرِكَ بِحَالِهِ وَسَقَطَ غُسْلُهُ، كَالْحَيِّ يَتَضَرَّرُ بِهِ قُلْتُ: وَهَلْ يُيَمَّمُ كَمَا لَوْ تَعَذَّرَ غُسْلُهُ قَبْلَ دَفْنِهِ أَوْ لَا يُنْبَشُ بِالْكُلِّيَّةِ؟ لَمْ أَرَ مَنْ تَعَرَّضَ لَهُ (وَمِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ مَنْ دُفِنَ بِلَا غُسْلٍ أَمْكَنَ (مَنْ دُفِنَ غَيْرَ مُتَوَجِّهٍ إلَى الْقِبْلَةِ) فَيُنْبَشُ وَيُوَجَّهُ إلَيْهَا، تَدَارُكًا لِذَلِكَ الْوَاجِبِ (أَوْ دُفِنَ قَبْلَ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ) فَيُنْبَشُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ، لِيُوجَدَ شَرْطُ الصَّلَاةِ وَهُوَ عَدَمُ الْحَائِلِ.
وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَالْقَاضِي: لَا يُنْبَشُ، وَيُصَلَّى عَلَى الْقَبْرِ وَهُوَ مَذْهَبُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ لِإِمْكَانِهَا عَلَيْهِ (أَوْ دُفِنَ قَبْلَ تَكْفِينِهِ) فَيُخْرَجُ وَيُكَفَّنُ نَصَّ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ دُفِنَ بِغَيْرِ غُسْلٍ، تَدَارُكًا لِلْوَاجِبِ وَهُوَ التَّكْفِينُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ وَلَوْ كَانَ قَدْ صُلِّيَ عَلَيْهِ، لِعَدَمِ سُقُوطِ الْفَرْضِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ عُرْيَانًا لِمَا رَوَى سَعِيدٌ عَنْ شُرَيْحِ بْنِ عُبَيْدِ الْحَضْرَمِيِّ " أَنَّ رِجَالًا قَبَرُوا صَاحِبًا لَهُمْ لَمْ يُغَسِّلُوهُ وَلَمْ يَجِدُوا لَهُ كَفَنًا، ثُمَّ لَقَوْا مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ فَأَخْبَرُوهُ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُخْرِجُوهُ مِنْ قَبْرِهِ، ثُمَّ غُسِّلَ وَكُفِّنَ وَحُنِّطَ، وَصُلِّيَ عَلَيْهِ " (وَلَوْ كُفِّنَ بِحَرِيرٍ فَ) هَلْ يُنْبَشُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ:
قَالَ فِي الْإِنْصَافِ (الْأَوْلَى عَدَمُ نَبْشِهِ) احْتِرَامًا لَهُ (وَيَجُوزُ نَبْشُهُ لِغَرَضٍ صَحِيحٍ كَتَحْسِينِ كَفَنِهِ) لِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ «أَتَى النَّبِيُّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ ابْنَ سَلُولَ بَعْد مَا دُفِنَ، فَأَخْرَجَهُ فَنَفَثَ فِيهِ مِنْ رِيقِهِ وَأَلْبَسَهُ قَمِيصَهُ» رَوَاهُ الشَّيْخَانِ.
(وَ) كَ (دَفْنِهِ فِي بُقْعَةٍ خَيْرٍ مِنْ بُقْعَتِهِ) الَّتِي دُفِنَ فِيهَا فَيَجُوزُ نَبْشُهُ لِذَلِكَ.
(وَ) لِ (مُجَاوَرَةِ صَالِحٍ) لِتَعُودَ عَلَيْهِ بَرَكَتُهُ (إلَّا الشَّهِيدَ) إذَا دُفِنَ بِمَصْرَعِهِ فَلَا يُنْقَلُ عَنْهُ لِغَيْرِهِ (حَتَّى لَوْ نُقِلَ) مِنْهُ (رُدَّ إلَيْهِ) نَدْبًا (لِأَنَّ دَفْنَهُ فِي مَصْرَعِهِ) أَيْ الْمَكَانِ الَّذِي قُتِلَ بِهِ (سُنَّةٌ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «تُدْفَنُ الْأَجْسَادُ حَيْثُ تُقْبَضُ الْأَرْوَاحُ» فَإِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى الشُّهَدَاءِ لِأَنَّ السُّنَّةَ فِي غَيْرِهِمْ دَفْنُهُمْ فِي الصَّحْرَاءِ لِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ وَغَيْرِهِ (وَيَأْتِي) ذَلِكَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute