(أَوْ) عَزَّرَهُ (عَامِلُ زَكَاةٍ) لِقِيَامِهِ مَقَامَ الْإِمَامِ فِيهَا وَإِنَّمَا عُزِّرَ لِتَرْكِهِ الْوَاجِبَ وَهِيَ مَعْصِيَةٌ لَا حَدَّ فِيهَا وَلَا كَفَّارَةَ (مَا لَمْ يَكُنْ) مَانِعُ الزَّكَاةِ بُخْلًا أَوْ تَهَاوُنًا (جَاهِلًا) بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ فَلَا يُعَزَّرُ لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ.
(وَإِنْ فَعَلَهُ) أَيْ مَنَعَ الزَّكَاةَ (لِكَوْنِ الْإِمَامُ غَيْرَ عَدْلٍ فِيهَا لَا يَضَعُهَا مَوَاضِعَهَا لَمْ يُعَزَّرْ) لِأَنَّهُ رُبَّمَا اعْتَقَدَ ذَلِكَ عُذْرًا فِي التَّأْخِيرِ (وَإِنْ غَيَّبَ) مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ (مَالَهُ أَوْ كَتَمَهُ) أَيْ غَلَّهُ.
(وَأَمْكَنَ أَخْذُهَا) بِأَنْ كَانَ فِي قَبْضَةِ الْإِمَامِ (أُخِذَتْ) الزَّكَاةُ (مِنْهُ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ) عَلَيْهَا لِأَنَّ الصِّدِّيقَ مَعَ الصَّحَابَةِ لَمَّا مَنَعَتْ الْعَرَبُ الزَّكَاةَ لَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ أَخَذَ مِنْهُمْ زِيَادَةً عَلَيْهَا وَلِأَنَّهُ لَا يُزَادُ عَلَى أَخْذِ الْحُقُوقِ مِنْ الظَّالِمِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ.
وَأَمَّا حَدِيثُ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا «فِي كُلِّ إبِلٍ سَائِمَةٍ فِي كُلِّ أَرْبَعِينَ ابْنَةُ لَبُونٍ، لَا تُفَرَّقُ إبِلٌ عَنْ حِسَابِهَا مَنْ أَعْطَاهَا مُؤْتَجِرًا فَلَهُ أَجْرُهَا، وَمَنْ مَنَعَهَا فَإِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ إبِلِهِ، عَزْمَةً مِنْ عَزَمَاتِ رَبِّنَا، لَا يَحِلُّ لِآلِ مُحَمَّدٍ مِنْهَا شَيْءٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَقَالَ «شَطْرَ مَالِهِ» وَهُوَ ثَابِتٌ إلَى بَهْزٍ وَقَدْ وَثَّقَهُ الْأَكْثَرُ فَجَوَابُهُ أَنَّهُ كَانَ فِي بَدْءِ الْإِسْلَامِ، حَيْثُ كَانَتْ الْعُقُوبَاتُ بِالْمَالِ، ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ الصِّدِّيقِ «وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَ ذَلِكَ فَلَا يُعْطَهُ» وَلِأَنَّ مَنْعَ الزَّكَاةِ كَانَ فِي خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ مَعَ تَوَفُّرِ الصَّحَابَةِ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَخْذُ زِيَادَةٍ وَلَا قَوْلَ بِهِ.
(وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَخْذُهَا) أَيْ الزَّكَاةِ بِالتَّغْيِيبِ أَوْ غَيْرِهِ (اُسْتُتِيبَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وُجُوبًا) لِأَنَّ الزَّكَاةَ أَحَدُ مَبَانِي الْإِسْلَامِ فَيُسْتَتَابُ تَارِكُهَا كَالصَّلَاةِ (فَإِنْ تَابَ) وَ (أَخْرَجَ) كُفَّ عَنْهُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يُخْرِجْ (قُتِلَ) لِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ عَلَى قِتَالِ مَانِعِهَا (حَدًّا) لَا كُفْرًا لِقَوْلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ " كَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَرَوْنَ شَيْئًا مِنْ الْأَعْمَالِ تَرْكَهُ كُفْرًا إلَّا الصَّلَاةَ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَمَا حَكَى أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ " مَا مَانِعُ الزَّكَاةِ بِمُسْلِمٍ رَوَاهُ الْأَثْرَمُ، مَعْنَاهُ: التَّغْلِيظُ وَمُقَارَبَةُ الْكُفْرِ، دُونَ حَقِيقَتِهِ (وَأُخِذَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ) مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ لِأَنَّ الْقَتْلَ لَا يُسْقِطُ حَقَّ الْآدَمِيِّ.
فَكَذَا الزَّكَاةُ (وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَخْذُهَا) أَيْ الزَّكَاةِ مِنْ مَانِعِهَا (إلَّا بِقِتَالٍ وَجَبَ عَلَى الْإِمَامِ قِتَالُهُ، إنْ وَضَعَهَا مَوَاضِعَهَا) لِاتِّفَاقِ الصِّدِّيقِ مَعَ الصَّحَابَةِ عَلَى قِتَالِ مَانِعِي الزَّكَاةِ وَقَالَ " وَاَللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا - وَفِي لَفْظِ: عِقَالًا - كَانُوا يُؤَدُّونَهُ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَيْهَا " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَإِنْ لَمْ يَضَعْهَا مَوَاضِعَهَا لَمْ يُقَاتِلْهُ، لِاحْتِمَالِ أَنَّ مَنْعَهُ إيَّاهَا لِاعْتِقَادِهِ ذَلِكَ عُذْرًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute