فَمِنْ سَهْمِ الْعُمَّالِ (وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهُ) أَيْ الْعَامِلِ (مُسْلِمًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ} [آل عمران: ١١٨] ؛ وَلِأَنَّهَا وِلَايَةٌ، وَلِاشْتِرَاطِ الْأَمَانَةِ أَشْبَهَ الشَّهَادَةَ (أَمِينًا) قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمُرَادُهُمْ بِهَا الْعَدَالَةُ، قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَفِيهِ نَظَرٌ (مُكَلَّفًا) لِأَنَّهَا وِلَايَةٌ وَغَيْرُ الْمُكَلَّفِ مُوَلًّى عَلَيْهِ (كَافِيًا) فِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّهَا نَوْعٌ مِنْ الْوِلَايَةِ، فَاشْتُرِطَ فِيهَا ذَلِكَ كَغَيْرِهَا (مِنْ غَيْرِ ذَوِي الْقُرْبَى) ؛ لِأَنَّ «الْفَضْلَ بْنَ الْعَبَّاسِ وَالْمُطَّلِبَ بْنَ رَبِيعَةَ سَأَلَا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْعِمَالَةَ عَلَى الصَّدَقَاتِ، فَقَالَ: إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ» وَهُوَ نَصٌّ فِي التَّحْرِيمِ لَا تَجُوزُ مُخَالَفَتُهُ إلَّا أَنْ تُدْفَعَ إلَيْهِ أُجْرَتُهُ مِنْ غَيْرِ الزَّكَاةِ، قَالَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ.
(وَيُشْتَرَطُ عِلْمُهُ) أَيْ الْعَامِلِ عَلَى الزَّكَاةِ (بِأَحْكَامِ الزَّكَاةِ، إنْ كَانَ مِنْ عُمَّالِ التَّفْوِيضِ) أَيْ الَّذِينَ يُفَوَّضُ إلَيْهِمْ عُمُومُ الْأَمْرِ؛ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَالِمًا بِذَلِكَ لَمْ تَكُنْ فِيهِ كِفَايَةٌ لَهُ.
(وَإِنْ كَانَ) الْعَامِلُ (مُنَفِّذًا وَقَدْ عَيَّنَ لَهُ الْإِمَامُ مَا يَأْخُذُهُ، جَازَ أَنْ لَا يَكُونَ عَالِمًا) بِأَحْكَامِ الزَّكَاةِ.
(قَالَهُ الْقَاضِي) فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " كَانَ يَبْعَثُ الْعُمَّالَ وَيُكْتَبُ لَهُمْ مَا يَأْخُذُونَ " وَكَذَلِكَ كَتَبَ أَبُو بَكْرٍ لِعُمَّالِهِ (وَلَا يُشْتَرَطُ حُرِّيَّتُهُ) لِحَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنْ اُسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ، كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ؛ وَلِأَنَّ الْعَبْدَ يَحْصُلُ مِنْهُ الْمَقْصُودُ، أَشْبَهَ الْحُرَّ.
(وَلَا) يُشْتَرَطُ (فَقْرُهُ) إجْمَاعًا لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ يَرْفَعُهُ «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيِّ، إلَّا لِخَمْسَةٍ: لِعَامِلٍ، أَوْ رَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ، أَوْ غَارِمٍ أَوْ غَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مِسْكِينٍ تُصُدِّقَ عَلَيْهِ مِنْهَا، فَأَهْدَى مِنْهَا الْغَنِيَّ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ لَا تُشْتَرَطُ ذُكُورِيَّتُهُ وَهَذَا مُتَوَجَّهٌ.
قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَفِيهِ نَظَرٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، وَمِنْ تَعْلِيلِهِمْ بِالْوِلَايَةِ؛ فَلِهَذَا قَالَ: (وَاشْتِرَاطُ ذُكُورِيَّتِهِ أَوْلَى) مِنْ الْقَوْلِ بِعَدَمِ اشْتِرَاطِهَا وَكَأَنَّهُمْ لَمْ يَنُصُّوا عَلَى ذَلِكَ لِوُضُوحِهِ.
(وَمَا يَأْخُذُهُ الْعَامِلُ) مِنْ الزَّكَاةِ فَهُوَ (أُجْرَتُهُ) وَلِذَلِكَ جَازَ مَعَ غِنَاهُ.
(وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الرَّاعِي وَالْحَمَّالُ) لِلزَّكَاةِ (وَنَحْوِهِمَا) كَالسَّائِقِ (كَافِرًا أَوْ عَبْدًا أَوْ غَيْرَهُمَا مِمَّنْ مُنِعَ الزَّكَاةَ) كَذَوِي الْقُرْبَى، قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ (لِأَنَّ مَا يَأْخُذُهُ أُجْرَةٌ لِعَمَلِهِ، لَا لِعِمَالَتِهِ) بِخِلَافِ الْجَابِي لَهَا وَنَحْوِهِ.
(وَإِنْ وَكَّلَ) مُسْلِمٌ (غَيْرَهُ فِي تَفْرِقَةِ زَكَاتِهِ، لَمْ يَدْفَعْ إلَيْهِ مِنْ سَهْمِ الْعَامِلِ، وَيَأْتِي) لِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَامِلٍ، بَلْ وَكِيلٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute