أَوْ كَفَالَتِهِ) أَيْ كَفَالَةٍ فِي مَالٍ أَوْ بَدَنٍ (أَثِمَ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «وَكَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالصَّدَقَةِ فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عِنْدِي دِينَارٌ، فَقَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى نَفْسِكَ، فَقَالَ: عِنْدِي آخَرُ، قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى وَلَدِكَ، قَالَ: عِنْدِي آخَرُ، قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى زَوْجَتِكَ، قَالَ: عِنْدِي آخَرُ، قَالَ: تَصَدَّقْ بِهِ عَلَى خَادِمِكَ قَالَ: عِنْدِي آخَرُ، قَالَ: أَنْتَ أَبْصَرُ» رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد فَإِنْ وَافَقَهُ عِيَالُهُ عَلَى الْإِيثَارِ فَهُوَ أَفْضَلُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: ٩] .
(وَمَنْ أَرَادَ الصَّدَقَةَ بِمَالِهِ كُلِّهِ وَهُوَ وَحْدَهُ) أَيْ لَا عِيَالَ لَهُ (وَيَعْلَمُ مِنْ نَفْسِهِ حُسْنَ التَّوَكُّلِ) أَيْ الثِّقَةِ بِمَا عِنْدَ اللَّهِ وَالْيَأْسِ مِمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ (وَالصَّبْرَ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فَلَهُ ذَلِكَ، أَيْ يُسْتَحَبُّ) لَهُ ذَلِكَ.
(وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ) مِنْ نَفْسِهِ (ذَلِكَ) أَيْ حُسْنَ التَّوَكُّلِ وَالصَّبْرِ، (حَرُمَ) عَلَيْهِ ذَلِكَ (وَيُمْنَعُ مِنْهُ وَيُحْجَرُ عَلَيْهِ) لِتَبْذِيرِهِ رَوَى جَابِرٌ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ «جَاءَ رَجُلٌ بِمِثْلِ بَيْضَةٍ مِنْ ذَهَبٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَصَبْتُ هَذِهِ مِنْ مَعْدِنٍ فَخُذْهَا فَهِيَ صَدَقَةٌ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهَا، فَأَعْرَضَ عَنْهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَتَاهُ مِنْ قِبَلِ رُكْنِهِ الْأَيْمَنِ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ أَتَاهُ مِنْ قِبَلِ رُكْنِهِ الْأَيْسَرِ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ أَتَاهُ مِنْ خَلْفِهِ، فَأَخَذَهَا رَسُولُ اللَّهِ فَحَذَفَهُ بِهَا، فَلَوْ أَصَابَتْهُ لَأَوْجَعَتْهُ، أَوْ لَعَقَرَتْهُ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يَأْتِي أَحَدُكُمْ بِمَا يَمْلِكُ فَيَقُولُ: هَذِهِ صَدَقَةٌ، ثُمَّ يَقْعُدُ يَسْتَكِفُّ النَّاسَ، خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.
وَفِي رِوَايَةٍ «خُذْ مَالَكَ عَفَاءً لَا حَاجَةَ لَنَا بِهِ» (وَإِنْ كَانَ لَهُ عَائِلَةٌ، وَلَهُمْ كِفَايَةٌ أَوْ يَكْفِيهِمْ بِمَكْسَبِهِ جَازَ لِقِصَّةِ الصِّدِّيقِ) أَبِي بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهِيَ أَنَّهُ «جَاءَ بِجَمِيعِ مَا عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟ فَقَالَ: اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَكَانَ تَاجِرًا ذَا مَكْسَبٍ» فَإِنَّهُ قَالَ حِين وُلِّيَ: " قَدْ عَلِمَ النَّاسُ أَنَّ مَكْسَبِي لَمْ يَكُنْ يَعْجَزُ عَنْ مُؤْنَةِ عِيَالِي " وَهَذَا يَقْتَضِي الِاسْتِحْبَابَ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ كِفَايَةٌ وَلَمْ يَكْفِهِمْ بِمَكْسَبِهِ (فَلَا)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute