يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَفَى بِالْمَرْءِ إثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ» .
(وَيُكْرَهُ لِمَنْ لَا صَبْرَ لَهُ عَلَى الضِّيقِ أَوْ لَا عَادَةَ لَهُ بِهِ) أَيْ بِالضِّيقِ (أَنْ يَنْقُصَ عَنْ نَفْسِهِ الْكِفَايَةَ التَّامَّةَ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ التَّقْتِيرَ وَالتَّضْيِيقَ مَعَ الْقُدْرَةِ شُحٌّ وَبُخْلٌ نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَتَعَوَّذَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُ، وَفِيهِ سُوءُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى.
(وَالْفَقِيرُ لَا يَقْتَرِضُ وَيَتَصَدَّقُ) لَكِنْ نَصَّ أَحْمَدُ فِي فَقِيرٍ لِقَرِيبِهِ وَلِيمَةٌ يَسْتَقْرِضُ، وَيُهْدِي لَهُ، وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا ظَنَّ وَفَاءً.
(وَوَفَاءُ الدَّيْنِ مُقَدَّمٌ عَلَى الصَّدَقَةِ) لِوُجُوبِهِ.
(وَتَجُوزُ صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ عَلَى الْكَافِرِ وَالْغَنِيِّ وَغَيْرِهِمَا) مِنْ بَنِي هَاشِمٍ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ مُنِعَ الزَّكَاةَ (وَلَهُمْ أَخْذُهَا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} [الإنسان: ٨] وَلَمْ يَكُنْ الْأَسِيرُ يَوْمَئِذٍ إلَّا كَافِرًا وَكَسَا عُمَرُ أَخًا لَهُ مُشْرِكًا حُلَّةً كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَسَاهُ إيَّاهَا «وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَسْمَاءِ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ صِلِي أُمَّكِ» ، وَكَانَتْ قَدِمَتْ عَلَيْهَا مُشْرِكَةً.
(وَيُسْتَحَبُّ التَّعَفُّفُ فَلَا يَأْخُذُ الْغَنِيُّ صَدَقَةً وَلَا يَتَعَرَّضُ لَهَا) لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى مَدَحَ الْمُتَعَفِّفِينَ عَنْ السُّؤَالِ مَعَ وُجُودِ حَاجَتِهِمْ، فَقَالَ: {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ} [البقرة: ٢٧٣] (فَإِنْ أَخَذَهَا) الْغَنِيُّ (مُظْهِرًا لِلْفَاقَةِ حَرُمَ) عَلَيْهِ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ تَطَوُّعًا لِمَا فِيهِ مِنْ الْكَذِبِ وَالتَّغْرِيرِ وَرَوَى أَبُو سَعِيدٍ مَرْفُوعًا «فَمَنْ يَأْخُذْ مَالًا بِحَقِّهِ يُبَارَكْ لَهُ فِيهِ، وَمَنْ يَأْخُذْ مَالًا بِغَيْرِ حَقِّهِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ» وَفِي لَفْظٍ: «إنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ وَوَضَعَهُ فِي حَقِّهِ فَنِعْمَ الْمَعُونَةُ هُوَ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كَانَ كَاَلَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَيَحْرُمُ الْمَنُّ بِالصَّدَقَةِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ كَبِيرَةٌ، وَيَبْطُلُ الثَّوَابُ بِذَلِكَ) ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى} [البقرة: ٢٦٤] قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلِأَصْحَابِنَا خِلَافٌ فِيهِ وَفِي بُطْلَانِ طَاعَةٍ بِمَعْصِيَةٍ، وَاخْتَارَ شَيْخُنَا الْإِحْبَاطَ بِمَعْنَى الْمُوَازَنَةِ وَذَكَرَ أَنَّهُ قَوْلُ أَكْثَرِ السَّلَفِ.
(وَمَنْ أَخْرَجَ شَيْئًا يَتَصَدَّقُ بِهِ أَوْ وَكَّلَ فِي ذَلِكَ) أَيْ الصَّدَقَةِ بِهِ (ثُمَّ بَدَا لَهُ) أَنْ لَا يَتَصَدَّقَ بِهِ (اُسْتُحِبَّ أَنْ يُمْضِيَهُ) وَلَا يَجِبُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا الْمُتَصَدَّقُ عَلَيْهِ إلَّا بِقَبْضِهَا، وَقَدْ صَحَّ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ كَانَ إذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute