الِاعْتِكَافِ أَعْظَمُ؛ وَلِأَنَّ إقَامَتَهُمَا عَلَى ذَلِكَ تَتَضَمَّنُ تَفْوِيتَ حَقِّ غَيْرِهِمَا بِغَيْرِ إذْنِهِ فَكَانَ لِصَاحِبِ الْحَقِّ الْمَنْعُ مِنْهُ كَرَبِّ الْحَقِّ مَعَ غَاصِبِهِ (فَإِنْ لَمْ يُحَلِّلَاهُمَا) مِنْ الِاعْتِكَافِ (صَحَّ وَأَجْزَأَ) عَنْهُمَا، (وَإِنْ كَانَ) الِاعْتِكَافُ (بِإِذْنٍ) مِنْ الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ (فَلَهُمَا تَحْلِيلُهُمَا إنْ كَانَ تَطَوُّعًا) ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَذِنَ لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَزَيْنَبَ فِي الِاعْتِكَافِ ثُمَّ مَنَعَهُنَّ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ دَخَلْنَ؛ " وَلِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ وَاجِبٌ وَالتَّطَوُّعُ لَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ؛ وَلِأَنَّ لَهُمَا الْمَنْعَ مِنْهُ ابْتِدَاءً فَكَانَ لَهُمَا الْمَنْعُ مِنْهُ دَوَامًا كَالْعَارِيَّةِ وَيُخَالِفُ الْحَجَّ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ وَيَجِبُ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ.
(وَإِنْ كَانَ) الِاعْتِكَافُ الَّذِي شَرَعَتْ فِيهِ الزَّوْجَةُ أَوْ الْقِنُّ بِإِذْنِ الزَّوْجِ أَوْ السَّيِّدِ (نَذْرًا وَلَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَلَا) يُحَلِّلَانِهِمَا؛ لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ وَيَجِبُ إتْمَامُهُ كَالْحَجِّ، (وَلَوْ رَجَعَا) أَيْ الزَّوْجُ وَالسَّيِّدُ (بَعْد الْإِذْنِ لِلزَّوْجَةِ) وَالْقِنِّ فِي الِاعْتِكَافِ (قَبْلَ الشُّرُوعِ) فِي الِاعْتِكَافِ (جَازَ) الرُّجُوعُ كَعَزْلِ الْمُوَكِّلِ وَكِيلَهُ.
(وَالْإِذْنُ فِي عَقْدِ النَّذْرِ إذْنٌ فِي فِعْلِهِ إنْ نَذَرَا) أَيْ الزَّوْجَةُ وَالْقِنُّ (زَمَنًا مُعَيَّنًا بِالْإِذْنِ) كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُمَا الزَّوْجُ أَوْ السَّيِّدُ فِي نَذْرِ اعْتِكَافِ الْعُشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ فَيَكُونُ إذْنًا فِي فِعْلِهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الزَّمَنُ مُعَيَّنًا بِالْإِذْنِ (فَلَا) يَكُونُ الْإِذْنُ فِي النَّذْرِ إذْنًا فِي الْفِعْلِ؛ لِأَنَّ زَمَنَ الشُّرُوعِ لَمْ يَقْتَضِهِ الْإِذْنُ السَّابِقُ، وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ كَعَبْدٍ فِيمَا تَقَدَّمَ وَلِأَنَّ مَنَافِعَهُمْ مُسْتَحَقَّةٌ لِلسَّيِّدِ.
(وَلِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَعْتَكِفَ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَسْتَحِقُّ مَنَافِعَهُ وَلَا يَمْلِكُ إجْبَارَهُ عَلَى الْكَسْبِ فَهُوَ مَالِكٌ لِمَنَافِعِهِ كَحُرٍّ مَدِينٍ بِخِلَافِ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ، وَظَاهِرُهُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَغَيْرِهِ وَسَوَاءٌ نَجَّمَ أَوْ لَا (وَلَهُ) أَيْ: لِلْمُكَاتَبِ (أَنْ يَحُجَّ بِغَيْرِ إذْنِهِ) أَيْ: إذْنِ سَيِّدِهِ لِمَا سَبَقَ (مَا لَمْ يَحُلَّ نَجْمٌ) مِنْ نُجُومِ الْكِتَابَةِ، وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: لَهُ الْحَجُّ مِنْ الْمَالِ الَّذِي جَمَعَهُ مَا لَمْ يَحُلَّ نَجْمُهُ وَحَمَلَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ عَلَى إذْنِهِ لَهُ أَطْلَقَهُ جَمَاعَةٌ وَقَالُوا: نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ مَا لَمْ يَحُلَّ نَجْمٌ وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ وَعَنْهُ الْمَنْعُ مُطْلَقًا قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَيَأْتِي فِي الْكِتَابَةِ: لِلسَّيِّدِ مَنْعُهُ مِنْ السَّفَرِ، كَحُرٍّ مَدِينٍ (وَلَا يُمْنَعُ الْمُكَاتَبُ) مِنْ إنْفَاقِ الْمَالِ فِي الْحَجِّ كَتَرْكِ التَّكَسُّبِ، (وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ) وَبَاقِيهِ رَقِيقٌ (إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ فَلَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ) فِي نَوْبَتِهِ.
(وَ) أَنْ (يَحُجَّ فِي نَوْبَتِهِ بِلَا إذْنِهِ) أَيْ: إذْنِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ إذَنْ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ لِسَيِّدِهِ بَلْ هِيَ لَهُ كَالْحُرِّ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ (فَلِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ) مِنْ الِاعْتِكَافِ وَالْحَجِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute