يَمْلِكَ زَادًا وَرَاحِلَةً لِذَهَابِهِ وَعَوْدِهِ أَوْ) يَمْلِكَ (مَا يَقْدِرُ بِهِ عَلَى تَحْصِيلِ ذَلِكَ) أَيْ: الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ: مِنْ نَقْدٍ أَوْ عَرَضٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: مَا يُوجِبُ الْحَجَّ؟ قَالَ: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ.
وَقَالَ: الْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَعَنْ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سُئِلَ عَنْ السَّبِيلِ فَقَالَ: الزَّادُ وَالرَّاحِلَةُ» وَكَذَا رَوَاهُ جَابِرٌ وَابْنُ عُمَرَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو وَعَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ؛ وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَتَعَلَّقُ بِقَطْعِ مَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ فَكَانَ ذَلِكَ شَرْطًا لَهَا كَالْجِهَادِ (فَيُعْتَبَرُ الزَّادُ مَعَ قُرْبِ الْمَسَافَةِ وَبُعْدَهَا إنْ احْتَاجَ إلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ فَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَيْهِ لَمْ يُعْتَبَرْ قَالَ فِي الْفُنُونِ: الْحَجُّ بَدَنِيٌّ مَحْضٌ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُدَّعَى أَنَّ الْمَالَ شَرْطٌ فِي وُجُوبِهِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ لَا يَحْصُلُ الْمَشْرُوطُ دُونَهُ، وَهُوَ الْمُصَحِّحُ لِلْمَشْرُوطِ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمَكِّيَّ يَلْزَمُهُ وَلَا مَالَ لَهُ (فَإِنْ وَجَدَهُ) أَيْ: الزَّادَ (فِي الْمَنَازِلِ لَمْ يَلْزَمْهُ حَمْلُهُ) مِنْ بَلَدِهِ عَمَلًا بِالْعَادَةِ (إنْ وَجَدَهُ) أَيْ: الزَّادَ (يُبَاعُ بِثَمَنٍ مِثْلِهِ فِي الْغَلَاءِ وَالرُّخْصِ أَوْ بِزِيَادَةٍ يَسِيرَةٍ) كَمَا الْوُضُوءُ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يَجِدْ بِالْمَنَازِلِ أَوْ وَجَدَهُ بِزِيَادَةٍ كَثِيرَةٍ عَلَى ثَمَنِ مِثْلِهِ (لَزِمَهُ حَمْلُهُ) مَعَهُ مِنْ بَلَدِهِ (وَالزَّادُ: مَا يُحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ مَأْكُولٍ وَمَشْرُوبٍ وَكِسْوَةٍ) .
وَظَاهِرُ كَلَامِهِ: لَا يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ صَالِحًا لِمِثْلِهِ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَهُوَ صَحِيحٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَيَتَوَجَّهُ احْتِمَالُ أَنَّهُ كَالرَّاحِلَةِ اهـ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ فَقَالَ: وَوَجَدَ زَادًا وَرَاحِلَةً صَالِحَيْنِ لِمِثْلِهِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَالْمُرَادُ بِالزَّادِ: أَنْ لَا يَحْصُلَ مَعَهُ ضَرَرٌ لِرَدَاءَتِهِ (وَيَنْبَغِي أَنْ يُكْثِرَ مِنْ الزَّادِ وَالنَّفَقَةِ عِنْدَ إمْكَانِهِ لِيُؤْثِرَ مُحْتَاجًا وَرَفِيقًا وَأَنْ تَطِيبَ نَفْسُهُ بِمَا يُنْفِقُهُ) ؛ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ فِي أَجْرِهِ قَالَ تَعَالَى {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ} [سبأ: ٣٩] (وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يُشَارِكَ غَيْرَهُ فِي الزَّادِ وَأَمْثَالِهِ) ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا أَفْضَى إلَى النِّزَاعِ أَوْ أَكَلَ أَكْثَرَ مِنْ رَفِيقِهِ، وَقَدْ لَا يَرْضَى بِهِ (وَاجْتِمَاعُ الرِّفَاقِ كُلَّ يَوْمٍ عَلَى طَعَامِ أَحَدِهِمْ عَلَى الْمُنَاوَبَةِ أَلْيَقُ بِالْوَرَعِ مِنْ الْمُشَارَكَةِ) فِي الزَّادِ، (وَيُشْتَرَطُ أَيْضًا الْقُدْرَةُ عَلَى وِعَاءِ الزَّادِ) ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ (وَتُعْتَبَرُ الرَّاحِلَةُ مَعَ بُعْدِ الْمَسَافَةِ فَقَطْ وَلَوْ قَدَرَ عَلَى الْمَشْيِ) لِعُمُومِ مَا سَبَقَ.
(وَهُوَ) أَيْ: بُعْدُ الْمَسَافَةِ (مَا تُقْصَرُ فِيهِ الصَّلَاةُ) أَيْ: مَسِيرَةُ يَوْمَيْنِ مُعْتَدِلَيْنِ، وَ (لَا) تُعْتَبَرُ الرَّاحِلَةُ (فِيمَا دُونَهَا) أَيْ: دُونَ الْمَسَافَةِ الَّتِي تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلَاةُ (مِنْ مَكِّيٍّ وَغَيْرِهِ) بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ دُونَ الْمَسَافَةِ (وَيَلْزَمُهُ الْمَشْيُ) لِلْقُدْرَةِ عَلَى الْمَشْيِ فِيهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute