غَالِبًا؛ وَلِأَنَّ مَشَقَّتَهَا يَسِيرَةٌ وَلَا يُخْشَى فِيهَا عَطَبٌ عَلَى تَقْدِيرِ الِانْقِطَاعِ بِهَا بِخِلَافِ الْبَعِيدِ؛ وَلِهَذَا خَصَّ اللَّهُ تَعَالَى الْمَكَانَ الْبَعِيدَ بِالذِّكْرِ فِي قَوْلِهِ {وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ} [الحج: ٢٧] ، (إلَّا مَعَ عَجْزٍ لِكِبَرٍ وَنَحْوِهِ) كَمَرَضٍ فَتُعْتَبَرُ الرَّاحِلَةُ حَتَّى فِيمَا دُونَ الْمَسَافَةِ لِلْحَاجَةِ إلَيْهَا إذَنْ، (وَلَا يَلْزَمُهُ الْحَبْوُ) أَيْ السَّيْرُ إلَى الْحَجِّ حَبْوًا (وَإِنْ أَمْكَنَهُ) لِمَزِيدِ مَشَقَّةٍ.
(وَ) يَعْتَبِرُ (مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ آلَتِهَا) أَيْ: الرَّاحِلَةِ حَيْثُ اُعْتُبِرَتْ إذْ لَا بُدَّ لِلرَّاحِلَةِ مِنْ آلَةٍ فَتُعْتَبَرُ الْقُدْرَةُ عَلَيْهِمَا (بِكِرَاءٍ أَوْ شِرَاءٍ) حَالَ كَوْنِ ذَلِكَ (صَالِحًا لِمِثْلِهِ عَادَةً لِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ النَّاسِ) فِي ذَلِكَ، (فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَكْفِيه الرَّحْلُ وَالْقَتَبُ وَلَا يَخْشَى السُّقُوطَ) بِرُكُوبِهِ كَذَلِكَ (اكْتَفَى بِذَلِكَ) أَيْ: بِالرَّحْلِ وَالْقَتَبِ عَنْ الْمَحْمِلِ، (فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَمْ تَجْرِ عَادَتُهُ بِذَلِكَ أَوْ يَخْشَى السُّقُوطَ عَنْهَا) أَيْ: عَنْ الرَّاحِلَةِ إنْ اكْتَفَى بِالرَّحْلِ وَالْقَتَبِ (اُعْتُبِرَ وُجُودُ مَحْمِلٍ) صَالِحٍ لَهُ.
(وَمَا أَشْبَهَهُ مِمَّا لَا يُخْشَى سُقُوطُهُ عَنْهُ وَلَا مَشَقَّةَ فِيهِ) عَلَيْهِ دَفْعًا لِلْحَرَجِ وَالْمَشَقَّةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: ٧٨] حَرَجٍ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْمَرْكُوبُ جَيِّدًا (لِئَلَّا يَتَضَرَّرَ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ) ، وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى خِدْمَةِ نَفْسِهِ وَالْقِيَامِ بِأَمْرِهِ اُعْتُبِرَ مَنْ يَخْدُمُهُ (قَالَهُ الْمُوَفَّقُ) ، قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَظَاهِرُهُ لَوْ أَمْكَنَهُ لَزِمَهُ عَمَلًا بِظَاهِرِ النَّصِّ وَكَلَامُ غَيْرِهِ يَقْتَضِي أَنَّهُ كَالرَّاحِلَةِ لِعَدَمِ الْفَرْقِ.
قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَكَذَا دَابَّتُهُ إنْ كَانَتْ مِلْكَهُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَى خِدْمَتِهَا وَالْقِيَامِ بِأَمْرِهَا اُعْتُبِرَ مَنْ يَخْدُمُهَا؛ (لِأَنَّهُ مِنْ سَبِيلِهِ) فَاعْتُبِرَتْ قُدْرَتُهُ عَلَيْهِ، (فَإِنْ تَكَلَّفَ الْحَجَّ مَنْ لَا يَلْزَمُهُ) وَحَجَّ أَجْزَأَهُ؛ لِأَنَّ خَلْقًا مِنْ الصَّحَابَةِ حَجُّوا وَلَا شَيْءَ لَهُمْ وَلَمْ يُؤْمَرْ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِالْإِعَادَةِ وَلِأَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ إنَّمَا شُرِعَتْ لِلْوُصُولِ فَإِذَا وَصَلَ وَفَعَلَ أَجْزَأَهُ كَالْمَرِيضِ.
(وَ) مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ وَ (أَمْكَنَهُ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ ضَرَرٍ يَلْحَقُ بِغَيْرِهِ مِثْلُ مَنْ يَكْتَسِبُ بِصِنَاعَةٍ) فِي سَفَرِهِ (كَالْخَرَّازِ أَوْ مُقَارَنَةِ مَنْ يُنْفِقْ عَلَيْهِ أَوْ يَكْتَرِي لِزَادِهِ) وَلَهُ قُوَّةٌ عَلَى الْمَشْيِ.
(وَلَا يَسْأَلُ النَّاسَ اُسْتُحِبَّ لَهُ الْحَجُّ) خُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ (وَلَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُسْتَطِيعٍ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الِاسْتِطَاعَةَ: مِلْكُ الزَّادِ وَالرَّاحِلَةِ، وَيُكْرَهُ الْحَجُّ (لِمَنْ حِرْفَتُهُ الْمَسْأَلَةُ قَالَ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ فِيمَنْ يَدْخُلُ الْبَادِيَةَ بِلَا زَادٍ وَلَا رَاحِلَةٍ لَا أُحِبُّ لَهُ ذَلِكَ يَتَوَكَّلُ عَلَى أَزْوَادِ النَّاسِ) .
قُلْتُ فَإِنْ تَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَحَسُنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute