فَلَوْ دَامَ لِي هَذَا السَّوَادُ حَمِدْته ... فَكَانَ بَدِيلًا مِنْ شَبَابٍ قَدْ انْصَرَمْ
تَمَتَّعْت مِنْهُ وَالْحَيَاةُ قَصِيرَةٌ ... وَلَا بُدَّ مِنْ مَوْتٍ تَبْكِيه أَوْ هَرَمْ
وَمَاذَا الَّذِي يَجْرِي عَلَى الْمَرْءِ حِفْظُهُ ... وَنِعْمَتُهُ دَوْمًا إذَا عَرْشُهُ انْهَدَمْ
وَمِنْ شِعْرِ الْخَلِيفَةِ الْمُسْتَنْجِدِ يُوسُفَ بْنِ مُحَمَّدٍ الْعَبَّاسِيِّ، عَلَى مَا نَقَلَهُ صَلَاحُ الدِّينِ الصَّفَدِيُّ فِي الْوَافِي بِالْوَفِيَّاتِ قَوْلُهُ:
عَيَّرَتْنِي بِالشَّيْبِ وَهْوَ وَقَارُ ... لَيْتَهَا عَيَّرَتْ بِمَا هُوَ عَارُ
إنْ تَكُنْ شَابَتْ الذَّوَائِبُ مِنِّي ... فَاللَّيَالِي تُنِيرُهَا الْأَقْمَارُ
قُلْت: وَقَدْ نَسَبَ الْأَبْيَاتَ فِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ لِيَحْيَى بْنِ نَصْرٍ السَّعْدِيِّ الْبَغْدَادِيِّ فِي تَرْجَمَتِهِ وَذَكَرَ لَهُ قَبْلَهُمَا قَوْلَهُ:
لَوْ كُنْت ذَا مَالٍ وَذَا ثَرْوَةٍ ... وَالشَّيْبُ مَا آنَ وَلَا قِيلَ كَادَ
لَجَامَلَتْ جَمَلٌ بِمِيعَادِهَا ... وَسَاعَدَتْ بِالْوَصْلِ مِنْهَا سُعَادُ
وَيُعْجِبنِي مِنْ شِعْرِ الْخَلِيفَةِ الْمُسْتَنْجِدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - قَوْلُهُ:
إذَا مَرِضْنَا نَوَيْنَا كُلَّ صَالِحَةٍ ... وَإِنْ شُفِينَا فَمِنَّا الزَّيْغُ وَالزَّلَلُ
نُرْضِي الْإِلَهَ إذَا خِفْنَا وَنَعْصِيهِ ... إذَا أَمِنَّا فَمَا يَزْكُو لَنَا عَمَلُ
وَمِنْ شِعْرِهِ فِي الشَّمْعَةِ:
وَصَفْرَاءُ مِثْلِي فِي الْقِيَاسِ وَدَمْعُهَا ... سِجَامٌ عَلَى الْخَدَّيْنِ مِثْلُ دُمُوعِي
تَذُوبُ كَمَا فِي الْحُبِّ ذَابَتْ صَبَابَةً ... وَتَحْوِي حَشَاهَا مَا حَوَتْهُ ضُلُوعِي
وَهَذَا الْخَلِيفَةُ هُوَ الَّذِي كَانَ الْإِمَامُ ابْنُ هُبَيْرَةَ وَزِيرَهُ وَوَزِيرَ وَالِدِهِ مِنْ قَبْلِهِ الْمُقْتَفِي رَحِمَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى.
(الثَّالِثَةُ) ذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْ عُلَمَاءِ التَّفْسِيرِ مِنْهُمْ الْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ النَّذِيرَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ} [فاطر: ٣٧] قِيلَ هُوَ الشَّيْبُ. وَإِلَى هَذَا أَشَرْت فِي قَصِيدَةٍ لِي:
فَوَا أَسَفَى ذَهَبَ الشَّبَابُ وَحَلَّ بِي ... نَذِيرٌ أَتَانِي أَنَّنِي سَوْفَ أَذْهَبُ
وَلِي فِي أُخْرَى:
إلَيْك أَشْكُو رَسُولَ اللَّهِ مِنْ وَجَلِي ... نَأَى شَبَابِي سُدًى وَاحْتَاطَ بِي أَجَلِي
نَأَى الشَّبَابُ وَجَاءَ الشَّيْبُ يُنْذِرُنِي ... بِأَنَّنِي رَاحِلٌ لِلْقَبْرِ وَاخْجَلِي