وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيُّ كِلَاهُمَا مِنْ رِوَايَةِ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدِ السُّلَمِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «اسْتَكْسَيْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَسَانِي خَيْشَتَيْنِ، فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي، وَأَنَا أَكْسَى أَصْحَابِي» .
قَالَ الْحَافِظُ الْمُنْذِرِيُّ: الْخَيْشَةُ - بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ بَعْدَهُمَا شِينٌ مُعْجَمَةٌ - هُوَ ثَوْبٌ يُتَّخَذُ مِنْ مُشَاقَةِ الْكَتَّانِ يُغْزَلُ غَزْلًا غَلِيظًا وَيُنْسَجُ نَسْجًا رَقِيقًا، وَقَوْلُهُ: " وَأَنَا أَكْسَى أَصْحَابِي " يَعْنِي أَعْظَمَهُمْ وَأَعْلَاهُمْ كِسْوَةً.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: «نَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ مُقْبِلًا عَلَيْهِ إهَابُ كَبْشٍ قَدْ تَمَنْطَقَ بِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اُنْظُرُوا إلَى هَذَا الَّذِي نَوَّرَ اللَّهُ قَلْبَهُ لَقَدْ رَأَيْته بَيْنَ أَبَوَيْنِ يَغْذُوَانِهِ بِأَطْيَبِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَلَقَدْ رَأَيْت عَلَيْهِ حُلَّةً شَرَاهَا أَوْ شَرَيْت بِمِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَدَعَاهُ حُبُّ اللَّهِ وَحُبُّ رَسُولِهِ إلَى مَا تَرَوْنَ» .
الْإِهَابُ - بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ - هُوَ الْجِلْدُ، وَقِيلَ: مَا لَمْ يُدْبَغْ.
وَفِي مُوَطَّأِ مَالِكٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: رَأَيْت عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَهُوَ يَوْمَئِذٍ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ وَقَدْ رَقَعَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ بِرِقَاعٍ ثَلَاثٍ لَبِدَ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ عَنْ أَنَسٍ أَيْضًا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ لَا يُؤْبَهُ لَهُ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ مِنْهُمْ الْبَرَاءُ بْنُ مَالِكٍ» .
وَفِي فُرُوعِ ابْنِ مُفْلِحٍ بَعْدَ ذِكْرِهِ لِهَذَا الْبَيْتِ الَّذِي نَحْنُ بِصَدَدِ شَرْحِهِ قَالَ: وَلَا بُدَّ فِي ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ يَعْنِي تَرْكَ التَّرَفُّعِ فِي اللِّبَاسِ وَالرِّضَا بِالْأَدْنَى لِلَّهِ لَا لِعَجَبٍ وَلَا شُهْرَةٍ وَلَا غَيْرِهِ.
قَالَ جَمَاعَةٌ: وَالتَّوَسُّطُ فِي الْأُمُورِ أَوْلَى، وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ بِحَسَبِ الْحَالِ لَا يَمْتَنِعُونَ مِنْ مَوْجُودٍ، وَلَا يَتَكَلَّفُونَ مَفْقُودًا.
وَقَالَ فِي الْفُرُوعِ فِي آخِرِ أَحْكَامِ اللِّبَاسِ: قَالَ الْمَرُّوذِيُّ: وَذَكَرْت رَجُلًا مِنْ الْمُحَدِّثِينَ يَعْنِي لِلْإِمَامِ أَحْمَدَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَقَالَ: أَنَا أَشَرْت بِهِ أَنْ يَكْتُبَ عَنْهُ، وَإِنَّمَا أَنْكَرْت عَلَيْهِ حُبَّهُ لِلدُّنْيَا.
وَذَكَرَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ عَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ وَغَيْرَهُ، وَقَالَ: كَمْ تَمَتَّعُوا