نسق القصص في بني إسرائيل له قاسم مشترك، فكل قصة من قصص بني إسرائيل في القرآن قاسمها هو: أن الله يذكرهم بنعمه عليهم، فأول أمر:{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ}[البقرة:١٢٢]، هذا التفضيل تفضيل زماني في وقتهم، أو هو تفضيل مشروط له شروط، وهي أن يمتثلوا أمر ربهم، وأن يستجيبوا لأمر خالقهم، وأن يؤمنوا بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، فهل وفوا بهذه الشروط؟ لا، إذاً فقدوا الأفضلية، ولذا فأول ملمح من قصص بني إسرائيل تذكير بالنعمة، قال تعالى:{وَإِذْ نَجَّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ}[البقرة:٤٩]، وقوله:{وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ}[البقرة:٥٠]، وكلها تذكير بنعم الله عليهم، لكن هؤلاء الناس قابلوا النعمة بالكفر والجحود، فأنزل الله بهم العقوبات تلو العقوبات، ثم التوبة منهم، ثم رحمة الله عز وجل بهم، فعلى هذا الترتيب في قصص بني إسرائيل نجد هذا المعنى: نعمة، ثم كفران، ثم عقوبة، ثم رحمة، وهذه القصة قد جاءت على غير المألوف، إذ إن النعمة كانت في آخرها، فقد قتلوا قتيلاً، والقتل عند بني إسرائيل هين، وانظروا إلى ما يفعلونه في فلسطين، من قتل للأطفال، وهدم للبيوت والديار، واغتصاب للنساء، وهذا هو شأنهم أبداً، فالقوم يضحكون عليكم ويوالونكم، لكن لا عهد لهم ولا سلام، فإنهم {َيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا}[المائدة:٣٣]، و {كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ}[البقرة:١٠٠]، هذا كلام الله يا قوم! فافقهوا عن ربكم.
فما هي قصة البقرة؟ قتل رجل منهم آخر، وكان فريق منهم يعرف ذلك؛ ولذلك يقول الله في آخر القصة:{وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا}[البقرة:٧٢]، فالقاتل واحد ونسب القتل إلى المجموعة؛ لأن هناك فريقاً أيد ذلك، فأصبح الحكم للجميع، ولذلك لما قتلوا القتيل منهم جاءوا إلى موسى عليه السلام يسألونه ليأتيهم بآية من ربه، ليعرفهم من الذي قتل، وهذا يشير إلى معنى: أن بني إسرائيل يقتلون المرء ويقفون لتقبل العزاء فيه! يقتلون وينصبون دائرة المفاوضات للسلام! يقتلون ويقولون للناس: نحن نبحث عن السلام الآمن، ثم يأتي هؤلاء القوم من جلدتنا ويصدقون هذا الكلام! فنقول لهم: يا قوم اعقلوا عن ربكم، فلا سلام مع هؤلاء، وإنما هم يريدون الانتقام من الأمة؛ لأن الحقد والحسد ملأ قلوبهم، وانظروا إلى ما حدث في سجن أبي غريب في العراق، فهذا نموذج يشير إلى الحقد الدفين في قلوبهم، فقد أتوا بعلماء الأمة من أهل السنة، وأئمة المساجد الذين يعظون الناس، فألبسوهم ملابس داخلية نسائية، ثم أدخلوهم زنزانة مع بعض النساء الهابطات، والأمة نائمة ومخدرة، بل وضائعة.