[ذكر صفات الإنسان وصفات المؤمنين في سورة المعارج]
يذكر الله صفات الإنسان، فيقول: {إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا} [المعارج:١٩].
ويقول: {لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي كَبَدٍ} [البلد:٤].
ويقول: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا} [العصر:١ - ٣] استثناء.
قوله تعالى: {إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا} [المعارج:١٩]، ذكر فيها الهلع، وفسرتها الآيات التي بعدها على التو: {إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا} [المعارج:٢٠] أي: إذا أصيب بمرض أو بفقر أو بفقد حبيب أو مال أو صديق يجزع، ولا يصبر على قضاء ربه، قال: {وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} [المعارج:٢١] أي: إذا نزل به الفرج ومنع المال.
فيستثني سبحانه ويقول: {إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ} [المعارج:٢٢ - ٢٣] فإن أردت أن تنظر في دين عبد انظر إلى صلاته، فإن ضيع الصلاة كان لغيرها أضيع.
أقول: إن حال سلفنا الصالح كان عجباً والذي نفسي بيده، منهم من قال عن نفسه: مكثت أربعين سنة أصلي الفجر بوضوء العشاء، قد يقول قائل: هذا مخالف للسنة، لكن نقول: يا عبد الله! هذا معان من ربه، وفعله ليس للأسوة، أما النبي عليه الصلاة والسلام حينما يفعل يفعل ليشرع؛ لذلك سأل العلماء سؤالاً مهماً: أيهما أفضل في الأضحية: البدنة أم الكبش؟ فقال جمهور العلماء: البدنة يعني: الإبل، وقالت المالكية: الكبش؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين أملحين، فاتباع النبي صلى الله عليه وسلم هو الأولى، وقال جمهور العلماء: البدنة أولى بدليل حديث البخاري في فضل الجمعة والتبكير إليها: (من راح في الساعة الأولى إلى الجمعة فكأنما قرب بدنة -فبدأ بالبدنة- ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة) فقدم في الحديث البدنة، والنبي صلى الله عليه وسلم ضحى بكبشين؛ لأنه أسوة، فإنه ربما لا يمتلك الفقير إلا ثمن الكبش، عند ذلك يضحي كما ضحى النبي صلى الله عليه وسلم، أما إن استطاع أن يذبح بدنة فهذا هو الأولى ولا شك في هذا، وهذا قول الجمهور.
قال تعالى: {الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ} [المعارج:٢٣] أي: يحافظون عليها في أوقاتها فلا يضيعون صلاة في جماعة، بل يؤدونها وقد استكملوا الشروط والأركان والسنن بخشوع.
قال تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} [المعارج:٢٤]، الصدقة والزكاة مقدار كل واحدة منهما معلوم، لا يبخسون الناس حق الله عز وجل، قال: {لِلسَّائِلِ} [المعارج:٢٥] الذي يسأل، {وَالْمَحْرُومِ} [المعارج:٢٥]، الذي يكف عن السؤال، يحسبه الجاهل غنياً من التعفف، تعرفه بسيماه؛ لذلك ربنا يقول: {فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج:٣٦] أي: من الهدي {وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج:٣٦]، والقانع: الذي يقتنع بحاله ولا يسأل الناس، والمعتر: الذي يسألهم، فأطعموا من يسأل ومن لا يسأل، وإياك أن تطعم من يسأل وتترك من لا يسأل.
يقول ربنا عز وجل: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} [المعارج:٢٤] وكلمة (حق) تشير إلى أن للفقير في مال الغني حقاً، فأنت حينما تعطيه لا تعطيه فضلاً منك، إنما هو حق لابد أن يأخذه؛ لذلك قاتل أبو بكر المرتدين حينما منعوا الزكاة، فلو أن المجتمع يؤدي زكاة ماله لما وجد فيه الفقراء، ولا الذين بدون زوجات، والحالات التي تعرض ليلاً ونهاراً تجعلنا نبكي دماً بدلاً من الدموع؛ وذلك لأن الأغنياء يحبسون ما أعطاهم الله عز وجل.
قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ} [المعارج:٢٦ - ٢٧]، خائفون وجلون يخشون عذاب ربهم عز وجل، إذ {إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ} [المعارج:٢٨].
ومن صفاتهم: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ} [المعارج:٢٩]، حفظ الفرج عما حرم الله، والمحرمات متعددة، فلا يضعون فروجهم إلا فيما أحله الله من الزوجة أو ملك اليمين، أي: الأمة، أما ما سوى ذلك فحرام، واستدل العلماء من هذه الآية بحرمة نكاح اليد، لا يقربون بفروجهم ما حرم الله، لا يقربون دبراً ولا امرأة في حيض، ولا أي شيء حرمه الله، وذلك كما قال تعالى: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المعارج:٣٠].
ثم قال: {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ} [المعارج:٣٢]