للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الرد على من يستدل على جواز الصلاة في المسجد الذي فيه قبر بكون قبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده]

السؤال

لقد تكرمتم فضيلتكم بذكر عدم جواز الصلاة في المساجد التي بها قبور، ويورد الكثير من الناس شبهة أن قبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده، فالرجاء التكرم بتفصيل الرد على هذه الشبهة؟

الجواب

يقول رجل منسوب إلى أهل العلم: الصلاة في المساجد التي بها أضرحة لا هي مكروهة ولا هي محرمة ولا هي ممنوعة؛ لأنك تقول: نويت الصلاة لله، وتقول: الله أكبر وتقول: سبحان ربي العظيم، وسبحان ربي الأعلى، فأنت لم تقل: صاحب الضريح أعلى، ولا صاحب الضريح عظيم، ولا صاحب الضريح أعلى، ولم تقصد في سجودك القبر ولا صاحب القبر، وهنا أريد أن أقول في يقين واطمئنان: إن الكعبة التي يطوف حولها المسلمون ويتجهون إليها في صلاتهم ولا تقبل الصلاة ممن اتجه إلى غيرها سيدنا إسماعيل وأمه هاجر مدفونان في حجر سيدنا إسماعيل الذي هو جزء من الكعبة والصلاة فيها بمائة ألف صلاة، فهل نمنع المسلمين من الطواف حول الكعبة أو نمنعهم من الاتجاه إليها في الصلاة؟ وإذا أردت المزيد فأدلك على الجزء الأول من سيرة ابن هشام، قال ابن إسحاق كذا، فلا تجعلوا هذه المسألة مجالاً للجدل والخلاف.

فهذا الرجل يقول: إن إسماعيل وأمه هاجر مدفونان في الكعبة، فمن الذي حقق هذا؟ هل حقق هو المسألة؟ فهذا الكلام كذب وافتراء، وهب أنهما مدفونان هل سويت الأرض بهما؟ وهل الآن القبر مرتفع أم موازياً لسطح الأرض؟ يعني: هل القبر في استواء مع الأرض أم مرتفع؟ فنحن يمكن أن يكون تحتنا قبور منذ حوالي ثلاثة آلاف سنة، أليس هذا وارداً؟ وهل كنا هنا منذ عشرين ألف سنة؟ ممكن أن يكون تحتنا خزانات نجاسة فما المشكلة؟ طالما أن الأمر مستتر والأرض مستوية فأنت لا تسأل عن هذا الحكم.

فدليل هذا العالم أنه يقول: إن هاجر وإسماعيل مدفونان في الحجر ونحن نصلي في الحجر، فهل هذا دليل؟ نحن نتكلم عن الصلاة إلى الأضرحة المرتفعة عن الأرض وعن المسجد الذي يحمل اسم صاحب الضريح ويطاف حوله، فهرب من الإجابة عن هذا إلى كلام لا دليل عليه، وترك النصوص الصحيحة كقوله صلى الله عليه وسلم: (لا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك) وهكذا النصوص الأخرى المبينة لهذه الأحاديث، وكل كلام الفقهاء تركه وجاء بشبهة لأجل هوى في نفسه، فمن الذي قال: إن هاجر مدفونة في الحجر؟ وهذا كما يقولون: إن بنات النبي صلى الله عليه وسلم غير مختتنات، ومن يقول ذلك كذاب! كذاب! فقد كان الرجل عند العرب يعير بعدم ختان أمه، يقول شيخ الإسلام في فتاواه: من لم تكن أمه مختونة يقال له: يا ابن القلفاء! يعني: غير المختونة التي تتطلع إلى الرجال أكثر من غيرها، وفي الأدب المفرد عند البخاري: أسلمت أم المهاجر على كبر سنها مع مجموعة من النسوة فأمر بهن عثمان رضي الله عنه فاغتسلن واختتن، فختان المرأة مكرمة لها، وترى منهم الآن من يقول بحجج واهية، بل إن البخاري يبوب في كتاب الغسل: باب التقاء الختانين، وذكر حديث (إذا مس الختان الختان وجب الغس)، وهذا حديث صحيح لا شبهة فيه، فأقول: أحياناً يتركون الأمور الصريحة البينة وينحرفون إلى شبه باطلة كهذه الشبهة.

فهل المصلي يقول عند ركوعه: صاحب الضريح أعظم، أو يقول: سبحان صاحب الضريح؟ هل هناك أحد يقول هذا؟ لكننا نقول: هذا مكان للقبر لا يجوز أن تصلي إليه أبداً، ولا أن تتوجه إليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهانا عن ذلك، هذا فضلاً عن الشرك الذي يحدث عند هذه القبور، والله تعالى أعلم.

وأما قبر النبي صلى الله عليه وسلم فلم يكن في المسجد، وإنما كان القبر في حجرة عائشة مستقلاً عن المسجد تماماً إلى أن جاء عصر الدولة الأموية فوسع الوليد بن عبد الملك بن مروان المسجد وألحق به الحجرة، فالقبر لم يكن في المسجد، والله تعالى أعلم.