هناك إخوة أفاضل يصلون ويخشعون في صلاتهم ويطلقون اللحى، لكنهم في الحقيقة لا يفرّجون عن مؤمن كربة، فما حكم ذلك؟
الجواب
من رأى أخاً له مكروباً فلا بد أن يبسط له يد المساعدة، ومن فرّج عن مؤمن كربة فرّج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ولذا من الخطأ والتقصير أن نلتزم بالطاعات الظاهرة ولا ننظر إلى إنسان مدين، أو أخ لا يستطيع أن يتزوج، أو أخ معسر، أو أخ مريض، فهذا ليس من الإسلام في شيء، وإنما أمر الإسلام بأن نتعاون فيما بيننا.
قال بعض السلف: إن سألك أخ لك: لم وضعت يدك في جيبه فليس لك بأخ، فانظروا إلى مقدار هذه الأخوة، بأن يضع الأخ يده في جيب أخيه ليأخذ ما يريد دون أن يسأله! وهذا آخر: يذبح شاة فيعطي ذراعها لأخ له، وهذا الأخ يعطيها لآخر، وظل الذراع يدور على سبعة بيوت حتى عاد إلى الأول! وكذلك: في إحدى الغزوات يأتي أحدهم ليسقي أخاه ماء قبل أن يموت، فيقول له: اسق أخي هذا الذي بجواري فإنه أحوج إلى الماء مني، فيذهب إليه فيقول له: اسق هذا الذي بجواري فإنه أحوج إلى الماء مني، وظل ينتقل من واحد إلى آخر حتى وصل إلى الأخير فقال له: عد إلى الأول، فعاد إليه فوجده قد فارق الحياة، والثاني فارق الحياة، والثالث فارق الحياة، وماتوا جميعاً دون أن يشربوا، وصدق الله إذ يقول:{وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}[الحشر:٩]، فأين هذه المعاني العظيمة والسامية؟! لقد ضاعت بيننا، ولذا قد نجد الإنسان لا يحسد ولا يحقد على أحد، وقد يكون لديه ثلاثة ملايين جنيه وهناك محتاج إلى ألفين أو ثلاثة آلاف، فإذا طلب منه أن يفرج عنه يقول: والله لا أستطيع فأنا أشكو من ضيق العيش! وزكاة الثلاثة الملايين: (٧٥.
٠٠٠) جنيه، هذا المبلغ يستطيع أن يزوج به كثيراً من الشباب أو يفرج به كرباً كثيرة عن بعض المسلمين، لأن البعض قد لا يجد قوت يومه، بل قد لا يجد شيئاً، وأصحاب الأموال في بذخ وإسراف ولهو! فهل هذا يرضي ربنا عز وجل؟! إن بعض الإخوة قد لا يستطيع أن يشتري كتاب العدة في المذهب الحنبلي، وقيمته ستة عشر أو سبعة عشر جنيهاً، وحين نقول لصاحب المال: أعطنا عشر نسخ لنوزعها على طلاب العلم يقول لك: لا أستطيع، فأنا أريد أن أعمل فرحاً في (الشيراتون) بثمانين ألف جنيه في الليلة الواحدة! فيدفع وعلى قلبه كالعسل، وينفق ماله في الرقص والدعارة، ويأتي بمطرب هابط لمدة ربع ساعة أو نصف ساعة بعشرين ألفاً! فما الذي حدث؟! إنه السفه وانقلاب المعادلة.
ولذا أقول لأصحاب الأموال: إن المال مال الله، والفقير له حق، وهذا حقه، فأنت يا صاحب المال لا تتفضّل عليه، وإنما:{وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}[المعارج:٢٤ - ٢٥] فالذي فرض عليك هذا الحق هو الله عز وجل، وأنت مستخلف في هذا المال، فلا ينبغي أبداً أن تبخل وتمتنع عن أداء هذا الفرض.
وقد أحسن الناظم حيث قال: إن في القرآن آية ذكرها للقلب طبُ لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبوا أن تجعل لله ما تحب فهذا هو المعيار، أما نحن الآن فلا ننظر إلى بعضنا البعض أبداً والذي نفسي بيده، وأولى الناس بالإنفاق عليهم هم طلبة العلم الشرعي، كتاب وسنة بفهم سلف الأمة، خرّج لنا عالماً يدحض البدعة وينشر السنة، ويصحح العقيدة للناس، أقم مكتبة طالب علم، تحتوي تفسير ابن كثير وفقه السنة وغيرها من الكتب الصحيحة، فأت بعشر مكتبات، ثم أعط كل طالب علم مكتبة، وبهذا تكون قد أفدتهم.
فيا عبد الله! لا بد أن تتلمس مواضع الإنفاق الصحيحة، ربما يكون لك أخ ليس مع أهله، أي أنه ذهب منذ سنوات وله زوجة وأولاد، هل سألت عنهم؟ هل رأيت حالهم؟ هل نظرت في حاجتهم؟ المغرب يؤذن وأنت مع أبنائك وهؤلاء لا يجدون عائلاً، ربما يكون مظلوماً فهل بسطت يدك إلى هذا المظلوم وإلى أهله؟ أرسل إليهم في أول رمضان مبلغاً دون أن تحدد الاسم، ودون أن يعرف الاسم أحد، وسّع عليه وعلى أسرته، لأنه ربما يكون لا يستطيع أن يقوم بحاجاتهم، أو يكون في ظروف لا يستطيع أن يتصل بأهله إلى غير ذلك.