[الواجب على العلماء لعلاج هذه الظاهرة]
فأما ما يتوقف على العلماء: أولاً: يجب على العلماء أن يبتعدوا بأنفسهم عن مواطن الشبهات، ولذلك قالوا: زلة العالم مضروب لها الطبل، فينبغي على العالم أن يبتعد عن مواطن الشبهات، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (على رسلكما إنها صفية).
وبعضهم يجمع النساء المتبرجات في المسرح ويحاضرهن! وهذا غريب، وهذه أول مرة نرى فيها هذا الكلام، وأحد الإخوة عرض سيدي لمثل هذه المحاضرة، وفيها البنت جالسة وواضعة رجل على رجل والعالم جالس أمامها، ويقولون: هو يبلغ يا شيخ! فيبلغ بهذه الطريقة! وبعض النساء تجلس تنظر إليه بإعجاب، وهذه فتنة يا عبد الله! فلا يستدرجك الشيطان لمثل هذه الفعلة، فمن قال لك: إن الغاية تبرر الوسيلة؟ فهذه ميكافللية.
وإذا قلت: نجعل للنساء مكاناً وللرجال مكاناً، بحيث لا تراني النساء وأنا أحاضر فسيقولون: هذه سلفية رجعية متزمتة متحجرة.
هذا هو الإسلام والدين يا عبد الله! لا أن يجلس أمام امرأة متبرجة ويحاضرها، فحاضرها عن الحجاب، وقل لها: شروط الحجاب ثمانية، فستقوم وتنصرف، وهنا قد يقول قائل: لابد أن يدخل لها أولاً حتى يأخذها، وأقول: أخاف أن تأخذه هي قبل أن يأخذها.
فهذا العمل ترخيص للعلم الذي يحمله، وهذا الكلام نقد عام وليس تجريحاً لأحد، وإنما هو منهج نبينه، فينبغي على العالم أن يبتعد عن مواطن الشبهات تماماً؛ لأنه يحمل دعوة، وتحركاته محسوبة تماماً.
ثانياً: أن يعمل بعلمه، لا أن يقول على المنبر أو في التلفزيون: الدخان حرام حرمه الله وأدلة التحريم كذا، ثم بعد الخطبة يطلب سيجارة أو يتحدث عن اللحية وإعفائها وهو حالق لها، فكيف سيؤخذ كلامه؟ وكيف يتحدث عن أمر لا يقوم هو به؟ وكيف يتحدث عن وجوب صلاة الجماعة وهو يصلي منفرداً؟ هذا ممن قال الله في حقه: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [البقرة:٤٤]، فأين العقل؟ ثالثاً: أن يحذر من الاستدراج؛ لأن بعض الطلبة يضعون له السم في العسل، ويستدرجونه إلى ما يريدون، ويسترسلون أحياناً في السؤال، فليكن يقظاً منتبهاً، والبعض يعيد السؤال بشكل آخر حتى يزل العالم، وهدفه أن يحفر له حفرة ينزلق فيها.
رابعاً: أن لا يتعجل في الفتوى، بل يتريث ويدرس الموضوع والآثار المترتبة عليه وينظر إلى الواقع وإلى حال السائل، وهذا فهم عميق يحتاج إليه.
خامساً: أن يكون جريئاً في الحق، لا يخاف فيه لومة لائم، كالصحابة والتابعين، ومثل الشيخ محمد الخضر حسين شيخ الأزهر الأسبق رحمه الله تعالى في عصرنا، فقد خرج رئيس الجمهورية محمد نجيب يوماً وأعلن أمام الجمهور وفي التلفاز وفي كل الوسائل أنه سيصدر قانوناً يسوي فيه بين الذكر والأنثى في كل شيء، وهذا الكلام يعارض الشرع تماماً، فلما سمع الشيخ محمد الخضر حسين رحمه الله بهذا أرسل إليه قائلاً: إن لم تعتذر عما قلت علناً في الصحف والنشرات فسألبس كفني غداً وأذهب وكل من معي من العلماء إلى ميدان التحرير، فأرسلوا إليه يعتذرون سراً، فقال: لا أقبل إلا أن يكون الاعتذار أمام الناس جميعاً على صفحات الجرائد وفي الإذاعات المسموعة، فخرجت الصحف بالاعتذار، وأنها قد كذبت فيما قالت، وأن الصواب كذا، واعتذر محمد نجيب عما صرح به؛ لوقفة العالم الذي لا يتبع الهوى، ولا يصدر الفتوى حسب الطلب.
وفي عام ١٩٨٩م صدرت الفتاوى بأن ختان الإناث مشروع في الكتاب والسنة، وفي عام ٢٠٠٣م صدرت بأن ختان الإناث غير مشروع أيضاً في الكتاب والسنة، وفي أول سنة ١٩٩٨م صدرت الفتاوى بأن فوائد البنوك حرام بإجماع أهل العلم، وفي آخرها صدرت الفتاوى بأن فوائد البنوك حلال، فما هذا يا عبد الله؟ نسأل الله العافية.
فيجب أن تحترم علمك ولا تخف في الله لومة لائم، وقل الحق ولا تخش إلا الله عز وجل، ولا تحافظ على مقعدك أو على مكسبك المادي، ولا تبع دينك بدنيا غيرك، واعلم أنك إن قلتها مت وإن لم تقلها مت، فقلها ومت يا عبد الله! فالحق أبلج والباطل لجلج، وإذا سئلت عن النقاب، فلا تقل: ليس له أصل في شرع الله، وهو عادة جاهلية، وأنت أستاذ في التفسير، تقرأ كتب التفسير وتعلم ما في ابن كثير والطبري، فهل كان العلماء جهلة وأنت الذي تصحح لهم؟ فلابد للعالم أن يكون جريئاً.
ولما خرج مروان بن الحكم إلى صلاة العيد أخرج المنبر إلى المصلى، وهذا بدعة، فمن السنة أن يخطب الخطيب وهو واقف على الأرض، فلما رأى أبو سعيد المنبر في مصلى العيد ومروان بن الحكم يريد أن يعتلي المنبر ليخطب الناس أمسك به وقال: لقد غيرتم والذي نفسي بيده، يعني: يمسك ولي الأمر أمام الناس مراعاة للمصالح والمفاسد.
والعز بن عبد السلام سلطان العلماء لما خرج ولي الأمر يسير في الطريق العام والناس حوله قال له بصوت مرتفع: يا فلان! فقال: من المنادي؟ قال: أنا