[الصدقة]
الشعيرة الثالثة: الصدقة.
فصدقة رمضان أجرها مضاعف، وفي ذلك يقول ابن عباس: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه حبريل فيدارسه القرآن أجود بالخير من الريح المرسلة)، يقول ابن حجر في الفتح: شبه جود النبي صلى الله عليه وسلم بالريح المرسلة لأن الريح المرسلة خيرها يعم، فلا تفرق بين أرض وأرض.
أحبتي الكرام! يقول عمر رضي الله عنه: (ما سبقت أبا بكر قط في أمر معروف، فحدثتني نفسي أن أسبقه يوماً فقلت: اليوم أسبق أبا بكر، فأمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالصدقة، فأسرعت إلى بيتي وجئت بنصف مالي إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام) قسم المال نصفين وجاء بالنصف وترك النصف، (فقال لي النبي عليه الصلاة والسلام ما تركت لأهلك يا عمر؟! قلت: تركت لهم نصف مالي يا رسول الله.
فجاء أبو بكر بمال يحمله ووضعه بين يدي الحبيب عليه الصلاة والسلام، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما تركت لأهلك يا أبا بكر؟! قال: تركت لهم الله ورسوله)، وأنا أسأل الآن هل منا أحد يستطيع أن يتصدق بكل ماله؟ إن أخرج جزءاً يسيراً من ماله زين الشيطان له الفقر: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ} [البقرة:٢٦٨].
ثبت في صحيح مسلم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الفجر؛ ثم سأل أصحابه: من عاد منكم اليوم مريضاً؟ فقال أبو بكر: أنا يا رسول الله! قال: من منكم اليوم أصلح بين متخاصمين؟ قال أبو بكر: أنا يا رسول الله! قال: من منكم اليوم أطعم مسكيناً؟ قال أبو بكر: أنا يا رسول الله، قال: من منكم اليوم تبع جنازة؟ قال أبو بكر: أنا يا رسول الله، فقال عليه الصلاة والسلام: ما اجتمعن في رجل إلا دخل الجنة) هذه هي صفات الخير، يقول صاحب الحلية: هو الصديق الملقب بـ العتيق، صاحب النبي في الحضر والأسفار، ورفيقه بعد الموت في الروضة المحفوفة بالأنوار، المنزل فيه من عالم الأسرار {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة:٤٠]، رضي الله عنه.
والصدقة تنقسم إلى أقسام: القسم الأول: إطعام الطعام، وانظر إلى حال سلفنا، كان داود بن هند يصوم أياماً كثيرة، ويخرج من بيته في الصباح وزوجته لا تعلم أنه صائم، عبادة بينه وبين ربه، فتعطيه الطعام لغدائه، فيتصدق بالطعام ويعود إليها بالليل ليتعشى معها، هو صائم وهي لا تعلم.
وكان ابن عمر لا يتناول طعاماً في رمضان إلا مع الأيتام، فإن لم يجد يتيماً أبى أن يأكل، فإن رد من في الدار الأيتام امتنع ابن عمر عن الطعام حتى يجمع الأيتام حوله.
يقول ربنا فيهم: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} [الإنسان:٨ - ٩].
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتق النار ولو بشق تمرة)، كيلو تمر واحد توزعه على الصائمين عند غروب الشمس لك فيه الأجر الكثير من رب العالمين، الصدقة بابها واسع، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من فطر صائماً كان له من الأجر كأجر الصائم لا ينقص من أجره شيء)، فأي فضل هذا يا عباد الله؟! أجر الصائم (قالوا: يا رسول الله! كلنا لا يجد ما يفطر به صائماً، قال: على شربة ماء أو مذقة لبن أو تمر)، فإن كنت لا تملك تمرة فقدم الماء لصائم، واحتسب الأجر عند الله يا عبد الله.
فالشعيرة الثالثة في رمضان هي الصدقة، منها إطعام الطعام وإفطار الصائم، والمسح على رءوس اليتامى والإحسان إلى المساكين، فكم من بيوت مسلمة تشكو إلى الله الأغنياء، كم من بيوت مسلمة لا تجد كسرة العيش لتأكلها عند غروب الشمس، وهؤلاء المتخمون المترفون عجل الله تبارك وتعالى لهم طيباتهم في الدنيا.
(دخل عمر بن الخطاب على رسول الله يوماً وهو ينام على أرض وقد أثر الحصير في جنبه) ترك أثراً في جنب رسول الله (فقال: يا رسول الله! ملوك الفرس والروم تنام في بروج مشيدة وأنت تنام على الحصير؟! قال: يا ابن الخطاب! هؤلاء قوم عجل لهم طيباتهم في الدنيا، ونحن أجلت لنا طيباتنا إلى يوم القيامة).
انظروا إلى أبي هريرة، يقول: (خرجت يوماً في الظهيرة وما أخرجني إلا الجوع، فسألت الصديق عن سؤل وأنا آمل أن يصطحبني إلى بيته، فأجابني وانصرف، وسألت عمر فأجابني وانصرف، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: ما الذي أخرجك يا رسول الله؟! قال: الذي