ثم بعد أن ضرب موسى بعصاه البحر انشق البحر، قال بعض المفسرين: انشق البحر إلى شقين، وقال سبحانه:{وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا}[طه:٧٧]، أي: بدون ماء، {لا تَخَافُ دَرَكًا وَلا تَخْشَى}[طه:٧٧]، فنزل موسى مع بني إسرائيل البحر يريدون أن يفروا من فرعون إلى الشاطئ الآخر في معجزة خالدة رأوها بأعينهم، فجاء فرعون بجنوده ونزلوا بكل ما يملكون من عدة وعتاد، وقال فرعون لجنوده: لا تأبهوا به، فإنه ساحر يخيل إليكم أن البحر قد انفلق أو أن هناك بحراً، فهيا بنا، والرعية تصدّق، وهذه مشكلة، {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ}[الزخرف:٥٤]، أي: يقول لهم: لا بحر، فيقولون: نعم لا بحر، فنزلوا، يقول ربنا سبحانه:{فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ}[طه:٧٨]، فجاء الموج الذي ارتفع كالحائط عالياً وأطبقه الله على فرعون وجنوده، فأغرقهم ولم ينج منهم أحداً، ونادى فرعون:{آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرَائِيلَ}[يونس:٩٠]، {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ}[يونس:٩١] فاتعظوا يا فراعنة الأرض بما حصل لفرعون الأكبر.
وحال بني إسرائيل أنهم لم يصدقوا أن فرعون قد غرق، فقال الله تعالى:{فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً}[يونس:٩٢]، فأمر البحر فألقاه خارجاً في مكان مرتفع، ثم نظروا إليه فإذا به فرعون، ثم بعد عبورهم دخلوا إلى سيناء، ولا زالت أقدامهم مبتلة بالماء لم تجف بعد، فمروا على قرية فيها أقوام يعكفون على أصنام لهم، فقالوا:{يَا مُوسَى اجْعَل لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ}[الأعراف:١٣٨]! فهذا هو دأب بني إسرائيل.