وبعد أن بيّن مقصوده قال:{لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ}[الأعراف:١٦]، أخبر أنه سيأتي أحدكم في جهاده وفي إنفاقه وفي صلاته، وفي كل وقت ليزين له المعصية، يقول ربنا سبحانه:{وَيَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ}[الأعراف:١٩]، طرد إبليس من الجنة، ثم سكن فيها آدم وزوجته، لكن هل هي جنة الخلد؟ هذا رأي الجمهور، أم هي جنة أرضية للاختبار والابتلاء والامتحان؟ هذا رأي آخر، وابن القيم في مفتاح دار السعادة ما استطاع أن يحسم النزاع؛ لأن كل فريق له أدلته: فالذين قالوا: إنها جنة أرضية قالوا: إن آدم قد تعرى فيها، وجنة الخلد ليس فيها تعرية، وإن آدم قد كلف فيها بعدم الأكل من الشجرة، وجنة الخلد ليس فيها تكليف، وإن آدم قد أصابه فيها الحزن، وجنة الخلد ليس فيها حزن.
ورد الفريق الآخر بسبعين دليلاً عدها ابن القيم منها: إن آدم يذهب إليه الخلائق يوم القيامة فيقولون: اشفع لنا عند ربك أن يصرفنا إلى الجنة، فيقول: وهل أخرجكم من الجنة إلا أنا؟ وهل أخرجكم من هذه الجنة إلا أنا؟ فالجنة هنا هي جنة المأوى.
عموماً اختلف العلماء في الجنة، لكن آدم سكن هو وزوجته حواء، وفي هذا إشارة إلى تبعية المرأة والرجل، وسترى أن الخطاب في الآيات أحياناً لآدم بمفرده، وأحياناً لآدم وحواء، فإن كان لآدم بمفرده تدخل فيه حواء بالتبعية، كما قال تعالى:{إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلا تَعْرَى}[طه:١١٨]، لا يجوع هو وحواء؛ لأنها تدخل بالتبعية، فالمرأة تبع لزوجها، فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله، هذا معناه: أن المرأة تتبع الرجل الذي يقوم على ولايتها، وله القوامة عليها.
قال تعالى:{وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا}[البقرة:٣٥]، أي: كلا من الجنة ما شئتما إلا شجرة أحذرك يا آدم! أن تقترب منها، قال:{وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ}[البقرة:٣٥]، والحرمة بعدم القرب أبلغ من ألا تأكلا، وعندنا من يقول: الإسلام لم يحرم الخمر؛ لأن الله قال:{فَاجْتَنِبُوهُ}[المائدة:٩٠]، وكلمة:((فَاجْتَنِبُوهُ)) لا تعني: التحريم، يا له من فيلسوف! ولم يحرم الزنا تحريماً مباشراً؛ لأن الله قال:{وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى}[الإسراء:٣٢]، هذه عقول لا أدري بأي حق تتحدث أو تكتب، وإن لم تستح فاكتب ما شئت، أو فاصنع ما شئت، أو فقل ما شئت، فإن التحريم بعدم القرب أبلغ.