للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الهمة العالية في طلب العلم والرحلة إليه]

لما عتب الله على موسى أوحى إليه: يا موسى! إن لي عبداً هو أعلم منك.

قال: يا رب! كيف السبيل إليه؟ قال: عند التقاء مجمع البحرين، وعند انفلات الحوت من غلامك يوشع، عند ذلك: {قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ لا أَبْرَحُ حَتَّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُبًا} [الكهف:٦٠] فانظروا إلى الهمة في طلب العلم، يقول: سأظل أسير على قدمي سنوات متتالية حتى أصل إلى مجمع البحرين.

روى البخاري تعليقاً: أن جابر بن عبد الله سمع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يحشر الناس حفاة عراة غرلاً)، ما معنى غرلاً؟ يعني: غير مختونين، والختان شعار الحنيفية السمحة وعلم على دخولها، والله أمرنا أن نتبع ملة إبراهيم، وإبراهيم عليه السلام اختتن، الحديث في البخاري ومسلم وأحمد ومالك المتفق عليه: (اختتن إبراهيم وهو ابن ثمانين سنة، واختتن بالقدوم)، رواية مسلم: (بالقَدُوم)، وفي بعض روايات البخاري: (بالقدُّوم)، والقَدُوم: آلة النجار، والقَدُّوم: مكان في أرض الشام، والذي نريده من الحديث أن إبراهيم عليه السلام اختتن، وهاجر اختتنت، والمسيح اختتن.

إن الذين يقولون بعدم الختان للإناث الآن لا نفهم منهم إلا معنىً واحداً، وهو أنهم يريدون للفاحشة أن تنتشر؛ لأن عدم الختان معناه: انتشار الفاحشة.

في الأدب المفرد للبخاري: تقول أم المهاجر: أسلمت أنا وجماعة من النسوة كبار، فأمر بنا عثمان بن عفان فاغتسلنا واختتنا.

وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية في المجلد الثاني والعشرين من الفتاوى: هل تختتن المرأة؟ فقال: نعم.

ختان الإناث مشروع بالكتاب والسنة، ثم أورد حديث أم عطية الحسن بمجموع طرق يرتقي إلى الصحة.

قال الشيخ الألباني: صحيح.

وقال ابن حجر في الفتح: صحيح.

وقال الهيثمي: صحيح.

وقال الطبراني في الأوسط: صحيح.

ثم قال ابن تيمية: ولأن نساء التتار والإفرنج لا يختتن، فتجد الزنا في وسطهن أكثر من النساء المسلمات.

وإن الرجل كان يعير في العرب إن لم تكن أمه مختونة، فيقولون له: يا ابن القلفاء! والقلفاء غير المختونة، والأقلف: غير المختون.

لذلك قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري: (ما رأيت داهية أدهى من هذا الأقلف) يعني: هرقل.

فيا إخواني! لا داعي إلى أن نعقد لهذه المسألة المؤتمرات، وأن تطبع لها المنشورات، وأن تحتل هذه المساحة الكبيرة في هذا الوقت.

لما سمع جابر بن عبد الله هذا الحديث سأل: من الذي سمعه من رسول الله عليه الصلاة والسلام؟ فقيل له: عبد الله بن أنيس.

قال جابر: وأين هو؟ قيل له: في أرض الشام.

وكان جابر يستطيع وهو في المدينة أن يقول: حدثني فلان أنه سمع عبد الله بن أنيس يقول: قال رسول الله، لكن جابر يريد أن يعلو بالسند، ولا يترك واسطة بينه وبين ابن أنيس فجمع المتاع وأعد العدة وأعد دابته ورحل من المدينة إلى الشام، وطرق الباب فقيل له: من؟ قال: جابر بن عبد الله صحابي النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟ فعانقه عبد الله بن أنيس والحديث فيه مشروعية معانقة القادم من سفر.

قال ابن أنيس: ماذا جاء بك يا جابر؟! قال: يا ابن أنيس! سمعت أنك سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (يحشر الناس حفاة عراة غرلاً)، قال: نعم.

سمعته بأذني هاتين، فعاد جابر يحدث به.

انظروا إلى همة جابر في قطع المسافة من المدينة إلى الشام؛ حتى يروي الحديث بسند عال، أين هذه الهمم؟ هل نحن الآن نعطي فضل أوقاتنا للدعوة؟