للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المدرسة العقلية وموقفها من النصوص]

أحبتي الكرام! هناك مدرسة تطل برأسها علينا في هذا الزمن تسمى بالمدرسة العقلانية، وهذه المدرسة تحكم العقل في النص، فإن قبل العقل ذلك النص قبلوه، وإن أبى العقل ذلك ردوا النص حتى وإن ثبت في صحيح البخاري أو مسلم أو صح عن النبي عليه الصلاة والسلام في غيرهما.

وهذه المدرسة قديمة، وأول روادها المعتزلة الذين قدموا العقل على النقل.

ونقول لهؤلاء: إن العقل يجتهد في فهم النص، وأما أن يرد النصوص فهذا أبداً لا يكون؛ لأن الله تعالى قال عن رسوله محمد صلى الله عليه وسلم: {وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} [النجم:٣ - ٥].

وإذا اصطدم عندك بعض النصوص مع بعضها فعليك أن تتبع طريق العلماء في النصوص المتعارضة، وهي كالتالي: أن تحاول أن توفق وتجمع بين النصوص والأدلة، وقد لا أستطيع أنا وأنت التوفيق، ولكن هناك من العلماء من يقدر على هذا، فلا نهمل نصاً على حساب نص آخر، فطالما أن النصين ثابتين فنحاول أن نجمع ونوفق بينهما، ومن أمثلة ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من مس ذكره فليتوضأ)، فهذا نص على الوضوء من مس الذكر، ثم قال في حديث آخر لما سئل عن مس الذكر: (إنما هو بضعة منك)، فهذا النص يتعارض مع ذاك، ولا نستطيع رد أحد النصين، وقد جمع بينهما الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله تعالى، فقال: من مس ذكره بشهوة فليتوضأ، ومن مسه بغير شهوة فلا وضوء عليه.

فجعل أحدهما مقيداً بالشهوة والآخر بدون شهوة، فأعملهما معاً ولم يرد أيّاً منهما.

فإن تعذر التوفيق والجمع فلننظر في الناسخ والمنسوخ، فلعل نصاً نسخ الآخر، فإن لم نجد نسخاً فلنحاول أن نرجح نصاً على نص، وطرق الترجيح لها أكثر من مائة طريق: فيرجح ما ثبت في الصحيحين على ما انفرد به البخاري.

ثم ما انفرد به البخاري على ما انفرد به مسلم.

ثم الدليل القولي على الدليل العملي.

ثم قول المثبت على قول النافي.

إلى غير ذلك من المرجحات.

ونرى الآن من يطعن في أئمة العلم؛ لأنهم صححوا حديثاً لا يستقيم عند من يطعن فيهم مع ما يفهمه من بعض الأدلة الأخرى.

فاتق الله يا من تطعن في سنة رسول الله! واتهم عقلك بعدم الفهم، والقصور في الإدراك بدلاً من أن تطعن في البخاري تارة، وفي مسلم تارة، وماذا يبقى للأمة إن طعنا في الصحيحين؟ أيها الإخوة الكرام! يقول صلى الله عليه وسلم: (يوشك رجل شبعان)، وكلمة شبعان تشير إلى أنه من أهل الترف، يعني: لم يرتحل لطلب العلم، وإنما ظل في قصره وبرجه العاجي، (شبعان، متكئ على أريكته، يأتيه الأمر من أمري، فيقول: ما وجدنا هذا في كتاب الله).

يقول صلى الله عليه وسلم: (ألا وإن ما حرم رسول الله مثل ما حرم الله، ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض).

أسأل الله تبارك وتعالى بفضله وكرمه أن ينصر الإسلام، وأن يعز المسلمين.

اللهم انصر دينك يا رب العالمين! اللهم أيد أطفال فلسطين بنصرك، اللهم اربط على قلوبهم، اللهم أرنا في اليهود آية؛ فإنهم لا يعجزونك، اللهم زلزل الأرض من تحت أقدامهم، اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا.

اللهم ارزقنا قبل الموت توبة، وعند الموت شهادة، وبعد الموت جنة ونعيماً.

اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار.

اللهم ارزقنا الشهادة في سبيلك، اللهم ارزقنا الشهادة في سبيلك.

اللهم اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا، ونور أبصارنا.

اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، استرنا فوق الأرض، واسترنا تحت الأرض، ولا تفضحنا يا رب! يوم العرض.

{رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:٨].

{رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:٢٠١].

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

وقع في يدي كتاب لا داعي لذكر اسم مؤلفه، والكتاب كله من أوله إلى آخره طعن في الشيخ الألباني رحمه الله تعالى، والكاتب يظن أنه يحسن صنعاً، فهو يقول: الشيخ صحح حديث كذا، وهذا الحديث يصطدم مع نص كذا، ومع آية كذا.

وكان الواجب عليه قبل أن يطعن في الشيخ أن يحاول أن يوفق بين النصوص، وينظر إلى أقوال أهل العلم في التوفيق والجمع؛ لأن مسألة الجمع بين النصوص مسألة مهمة جداً، وقد ألف الشيخ الشنقيطي (دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب)، جمع فيه الآيات التي ظاهرها التعارض مع آيات أخرى، كقول الله تعالى: {إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ