للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاستهزاء والسخرية بالدعاة دأب المجرمين]

وعندما كان نوح يصنع السفينة بأمر من الله كان يجد الأذى من قومه، قال تعالى: {وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ} [هود:٣٨]، إذاً: سلاح السخرية من الموحدين سلاح قديم، كان في زمن نوح، فإذا مر بك أحد هؤلاء السفهاء يضحك على التزامك كلما أظهرت سنة لرسول الله، فتذكر قول الله سبحانه وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انقَلَبُوا فَكِهِينَ} [المطففين:٢٩ - ٣١].

قال سبحانه عن نوح: {وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ} [هود:٣٨] يعني: جماعة، {مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ} [هود:٣٨].

إن من أسباب الردة والخروج من الدين السخرية من شرع رب العالمين، أو التعريض بحديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليضحك الناس، وهذا دأب البطالين والسفهاء لا يجدون ما يضحكون الناس به إلا القرآن، وإلا السنة، يعرضون بحديث، أو بسنة، أو بقرآن؛ حتى يضحك الناس، وفي غزوة من الغزوات كان مع النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من المنافقين فرأوا حملة القرآن وهم في طريق العودة فقالوا لهم: ما نراكم إلا أرغبنا بطوناً، وأكذبنا ألسنة، وأجبننا عند اللقاء، فإذا بالوحي ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:٦٥ - ٦٦].

وفي هذا العصر يكتب عربيد في أحد رواياته: الله في مدينتي مشرد طريد، الله في مدينتين تبيعه اليهود! الله سلعة عند هذا الكافر المرتد! وآخر يرسم كاريكاتير لرجل يركب الحمار، وتحت الحمار تسعة نسوة، ثم يكتب تحت الكاريكاتير هذا محمد وأزواجه التسعة! يسخر من سيد البشر محمد خاب وخسر، وتارة يسخرون من النقاب، وتارة من اللحية، ومن تقصير الثياب تارة، ومن صلاة الجماعة تارة: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} [المطففين:٢٩]، فإن ضحك عليك المجرمون فهنيئاً لك؛ لأنك على طريق الحق، ومن ضحك هنا بكى هناك ومن بكى هنا ضحك هناك، قال الله سبحانه: {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ * عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ * هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المطففين:٣٤ - ٣٦]، ضحكوا هنا على عباد الله، فبكوا هناك بكاءً شديداً، بل زادهم الله على ذلك سواد الوجه قال تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ * ضَاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ * وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ عَلَيْهَا غَبَرَةٌ * تَرْهَقُهَا قَتَرَةٌ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ} [عبس:٣٨ - ٤٢].

{وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ} [هود:٣٨]، يا نوح! أصبحت نجاراً بعد أن كنت نبياً رسولاً، يا نوح السفينة التي تصنعها متى ستسير؟ وأين الماء الذي ستسير عليه؟