للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عرض سريع لوقائع في غزوة الأحزاب ومقارنتها بالعذاب النازل على الأمم السابقة]

أختم الحديث بعرض سريع لوقائع في غزوة الأحزاب لوجه الشبه بينها وبين واقعنا اليوم.

تآمر المشركون على رسول الله صلى الله عليه وسلم، كل قوى الشرك اجتمعت من كل فج عميق، فاليهود خرجوا إلى مكة وإلى المنافقين والمشركين، وجمعوا كل قوى الشرك؛ حتى يقضوا على الإسلام في مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكأني بهم اليوم يجتمعون أيضاً، لكن انظر يا عبد الله! جمعوا عشرة آلاف، والمدينة بأطفالها ونسائها ثلاثة آلاف، أي: لا قبل للمدينة بتلك القوى، فماذا كانت النتيجة؟ استشار النبي أصحابه، ونزل على رأي سلمان الفارسي، فحفر خندقاً ليحول بين المشركين وبين دخولهم المدينة، وبينما هم يحفرون الخندق يقول أصحاب النبي محمد صلى الله عليه وسلم: كنا نرى النبي صلى الله عليه وسلم وقد ربط على بطنه حجراً من شدة الجوع، والتراب يعلو لحيته ورأسه صلى الله عليه وسلم، وإذا به ينظر إلى أصحابه فيجد الجوع في وجوههم، والتعب يبدو على ملامحهم، فيقول: (اللهم إن العيش عيش الآخرة فاغفر للأنصار والمهاجرة).

فيجيبونه: نحن الذين بايعوا محمداً على الجهاد ما حيينا أبداً فيا لها من روح معنوية مرتفعة! ويتضرع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ربه داعياً: (اللهم منزل الكتاب هازم الأحزاب)، وظل يدعو عليهم دعاء تبتل كما دعا في بدر، فأرسل الله على قوى الشرك ريحاً، ولله جنود: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} [المدثر:٣١].

انظر يا عبد الله! {فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ * وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا} [الحاقة:٥ - ٧]، إن كنا لا نملك قوة فمعنا الحارس الذي لا يغلب، والقوة التي لا تهزم، والفئة التي لا تغلب، إن كان معنا الله فمن يملك لنا هزيمة! وكما قال ربنا سبحانه عن يوم بدر: {وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ} [الأنفال:٢٦]، {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [آل عمران:١٢٣]، {وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا} [التوبة:٢٥]، فالكثرة يا عباد الله! لا تحقق نصر، والقلة كذلك لا تحقق نصر، إن الذي يملك مفاتيح النصر والهزيمة هو رب العالمين سبحانه وتعالى.

نوح عليه السلام لم يؤمن معه من قومه إلا قليل، قال تعالى: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} [القمر:١٠ - ١٢]، ودمر الله قوى الشرك على الأرض بالمطر، وبالماء، وبالريح، وبملائكة مع الحبيب محمد {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ} [الأنفال:٩].