للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[اتفاق ما صنعه الخضر مع الشرائع السماوية]

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد: بين الخضر لموسى عليهما السلام لم صنع هذه الأشياء الثلاثة، يقول ابن تيمية في فتاويه: وما صنع الخضر يتفق مع الشرائع السماوية.

أولاً: خرق السفينة إتلاف للبعض لأجل المحافظة على الكل، وهذا أمر مشروع عندنا، أي: أن إتلاف بعض الشيء للمحافظة على كل الشيء أمر مقرر، ولذلك هناك حكم فقهي يسمى التترس، فلو أن العدو تترس بصف من المسلمين -يعني: احتمى خلف ظهورهم- هل يجوز قتل هؤلاء المسلمين للوصول للعدو؟

الجواب

نعم، ولذلك عندما تتألم من ضرسك مثلاً تزيله، والضرس رغم أنه جزء من الجسد لا يجوز أن تتلفه إلا أنك تزيل البعض لأجل أن تحافظ على الكل، وهذا أمر مقرر، فالخضر لم يأت بشريعة جديدة تخالف الشرائع.

ثانياً: قتل الغلام، عندنا ما يسمى بدفع الصائل، يعني: دفع المعتدي، والغلام كان سيرهق أبويه طغياناً وكفراً، فهو صائل معتدٍ يجوز أن يقتل.

ثالثاً: إقامة الجدار عمل مشروع للمحافظة على الكنز الذي تركه الأب الصالح لأبنائه.

قال عز وجل حاكياً عن الخضر: {سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا * أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} [الكهف:٧٨ - ٧٩]، قال الإمام الشافعي: رغم أنهم يمتلكون سفينة إلا أن الله سماهم مساكين، فالمسكين: هو من يملك أقل من حاجته.

قال عز وجل: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا} [الكهف:٧٩]، ويا له من أدب من نبي الله الخضر حينما نسب العيب إلى نفسه ولم ينسب العيب إلى ربه رغم أن الذي أمره بخرقها هو الله، لكنه الأدب، والأدب مطلوب حتى في استخدام الحروف، يقول زيد -كما في كتاب الصيام عند البخاري -: (تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم)، يقول ابن حجر: انظر يقول زيد: (تسحرنا مع)، ولم يقل: تسحرنا (و)، فاستخدم مع ولم يستخدم الواو؛ لأنه لا يجوز أن يعطف نفسه ولا الصحابة على النبي عليه الصلاة والسلام، فهذا باب أدب، ولذلك الأدب في التعبير وفي اللفظ وفي حسن السؤال واجب شرعي على طالب العلم.

قال: {فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ} [الكهف:٧٩]، يعني: أمامهم، فحروف الجر بعضها يحل بدل بعض، كقوله تعالى: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه:٧١]، يعني على جذوع النخل، ولذلك هذا النقطة مهمة في فهم كثير من النصوص الشرعية، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فليصل أحدكم نشاطه فإن الله لا يمل حتى تملوا)، فصفة الملل لا ينبغي أن تنسب إلى الله، يقول ابن حجر هنا: حتى بمعنى الواو، والمعنى: (فإن الله لا يمل وتملوا)؛ لأن الله تبارك وتعالى تنزه عن صفات النقص سبحانه وتعالى، وله صفات الكمال عز وجل.

قال عز وجل: {وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا} [الكهف:٨٠]، وهذا نسميه التغليب، أي: تغليب الأب على الأم، وتغليب الذكر على الأنثى، وتغليب العاقل على غير العاقل، وتغليب الجمع على المفرد، وتغليب المثنى على المفرد وهكذا، وقوله: (أَبَوَاهُ)، يعني: أباه وأمه، كما نقول للشمس والقمر: القمران، وكما نقول للتمر والماء: الأسودان.

قال عز وجل: {فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا * وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} [الكهف:٨٠ - ٨٢].

قام سعيد بن المسيب يصلي ويزيد في صلاته ثم قال لولده الصغير: يا بني! اعلم أني أزيد في صلاتي لأجلك، قال: لأجلي يا أبي؟! قال: نعم، يا ولدي! ألم تسمع إلى قول الله: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} [الكهف:٨٢]، فمن أراد أن يحفظ في ذريته بعد موته فليتق ربه عز وجل.

اللهم ارزقنا علماً نافعاً، وقلباً خاشعاً، ولساناً ذاكراً، وجسداً على البلاء صابراً.

اللهم علمنا القرآن، اللهم ارزقنا حب القرآن، وارزقنا حفظ القرآن، وارزقنا نور القرآن، واستر عوراتنا، وآمن روعاتنا.

اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا ولا إلى النار مصيرنا.

اللهم إنا نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار.

اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا، اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عنا.

اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، وانصر عبادك المستضعفين في أرض فلسطين، ال