حال الصالحين وكيف كان الدعاء معهم؟ زكريا عليه السلام بلغ من الكبر عتياً، واشتعل رأسه شيباً، وكانت امرأته عاقراً، فهذه المقدمات والمعطيات لو طرحت لأساتذة طب النساء والعقم في عالمنا اليوم لاستبعدوا إيجاد الولد؛ لكن الله عز وجل لا يعجزه شيء وهو قادر على كل شيء، فاحذر أن تستبعد أمراً على الله، فقام زكريا يصلي لربه في المحراب، يقول ربنا سبحانه:{ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا * إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا}[مريم:٢ - ٣] والدعاء كلما كان خفياً كان أدعى للإجابة، وليس الدعاء مظاهرة رمضانية، فأشرطة الدعاء تباع على السيارات العامة، وفيها الدعاء برفع الصوت والصياح والتهليل، وكلما كان العبد متضرعاً خاشعاً إلى ربه كان أدعى للإجابة، فنرى الآن العجب العجاب في واقعنا، وهذه المخالفات الرمضانية التي سأتحدث عنها في الخطبة الثانية قد تصل إلى المائة مخالفة، منها هذا الدعاء الذي في القنوت فإن بعض الأئمة يطوّلون به ويرهقون الناس، بل يتعدون في الدعاء أحياناً، ويعددون أسماء الله: يا نافع يا ألله يا رحمن يا ألله يا رحيم يا ألله، وهذا ليس دعاء وإنما مظاهرة، وهذا ليس من آداب الدعاء بل هو تعدٍ في الدعاء.
ودعا زكريا ربه، قال تعالى:{قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا}[مريم:٤] أي: لم أشق يا رب وأنا أدعوك أبداً، {وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا}[مريم:٥] أي: أريد ولداً ذكراً صالحاً؛ {يَرِثُنِي}[مريم:٦] فطلب الذكر لا بأس به، لأنه يرث العلم والنبوة {وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا}[مريم:٦] أي: ولداً صالحاً لا عاصياً.
وكانت النتيجة كما قال تعالى:{فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى}[آل عمران:٣٩].
يقول السائل الكريم: طفت على أساتذة الطب فقالوا لي: حيواناتك المنوية ميتة، وأنابيب الزوجة مغلقة، عندك ضعف لا يمكن معه الإنجاب، فاعلم أن لك إلهاً يجيب المضطر إذا دعاه.