الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وخالق الخلق أجمعين ورازقهم، رفع شأن العلماء فقال:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}[المجادلة:١١].
وقال:{هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ}[الزمر:٩].
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله القائل:(العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا درهماً ولا ديناراً، وإنما ورثوا العلم فمن أخذه فقد أخذ بحظ وافر) وقال: (فضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب في ليلة البدر).
ثم أما بعد: فيا أيها الإخوة الكرام الأحباب! هناك ظاهرة خطيرة جدير بنا أن نقف عندها طويلاً، ألا وهي استباحة لحوم العلماء، وهذه الظاهرة يقع فيها بشكل مباشر كما هو معلوم المنافقون والعلمانيون وأعداء الدين، ولكن الأمر الذي يستحق المواجهة هو أن تنزلق أقدام بعض طلبة العلم إلى هذه الظاهرة، فتجد طويلب علم يبدأ بالمرحلة الأولى، وأول ما يبدأ يبدأ بتجريح العلماء، والتحذير من بعضهم، وعرض زلاتهم على الناس، ثم يتطور الأمر فيجرح أهل بيته وزوجته وأولاده، وهذا يعني أنه لا يريد بيان الحق وإنما يريد التجريح، ولأن المسألة خطيرة لاسيما في شباب الصحوة أو في بعضهم آثرت أن يكون هذا الموضوع: اللحوم المسمومة.
فهل رأيتم عاقلاً يتجرع لحماً مسموماً بيده؟ اسمعوا إلى قول الحافظ ابن عساكر رحمه الله، قال: اعلم أخي وفقني الله وإياك لمرضاته وجعلني وإياك ممن يخشاه ويتقه حق تقاته أن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة، وأن من أطلق لسانه في العلماء بالثلب ابتلاه الله قبل موته بموت القلب.
وحدثوني عمن وقع في شيخ الإسلام ابن تيمية أو من جلد الإمام أحمد هل يعرفه الناس إلا نكرة في التاريخ، ولذلك من تتبع زلات العلماء وعرض بهم فتنه الله سبحانه وتعالى في دينه، ثم أمات قلبه قبل موته.
ولأن هذه الظاهرة تقع من بعض الناس بفعل بيان الحق فلابد أن نفرق بين أمرين: بيان الحق والتجريح، وهذا أمر مهم، وسأذكر أمثلة من واقعنا المؤلم الآن على هذه الظاهرة، وأنا لا أقصد أحداً بعينه، وإنما الكلام عام.