ثم قال عليه الصلاة والسلام:(ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع تحت قدمي)، فانتهى ربا الجاهلية، لكنه عاد إلى واقع المجتمع الآن، فإن لم تكن فوائد البنوك ربا فما هو الربا إذاً؟! فاتق الله في دين الله يا من تحل ما حرم الله، ولا تخرق إجماع الأمة، وتختلف مع جبهة العلماء، وتنفرد برأيك لتحل ما حرم الله، فلمصلحة من؟ ولحساب من تبيع دينك بدنيا غيرك؟ فخرج الربا من تحت قدم رسول الله، وعاد إلى تعامل المسلمين في مجتمعاتهم، وفي بيعهم؛ فإن بعض أنواع البيوع الآن ربا، كبيع العينة، وهو: أن يأخذ سلعة ثم يبيعها لنفس التاجر بسعر أقل، أي: أنه يحتاج إلى مال فيوسط السلعة حيلة كما احتالت بنو إسرائيل، وهو يسمى بلغة التجار: الحرق، يقول لك: أعطني سلعة واحرقها، وهو ربا، بل عين الربا.
والربا قسمان: ربا الفضل، وربا النسيئة، وكل قرض جر نفعاً فهو ربا، فـ (١٠٠٠) جنيه من البنك تسددها (١٢٠٠) جنيه بفائدة ١٣، أو ١٤، أو ١٧ بالمائة، إذاً فالفائدة محددة سلفاً وواضحة، فأي عاقل يقول: إن هذا ليس ربا؟! ولذلك ساد الربا، ومن لم يأكل من الربا أصيب من غباره، قال عليه الصلاة والسلام:(ألا إن كل ربا موضوع تحت قدمي، وأول ربا أضع ربا العباس بن عبد المطلب)، ويخطئ من يظن أن الجاهلية فترة زمنية، بل الجاهلية سلوك وخلق، قال النبي صلى الله عليه وسلم لـ أبي ذر لما عير بلالاً بلونه ولون أمه وقال له: يا ابن السوداء، قال له:(إنك امرؤ فيك جاهلية)، أي: لا تزال يا أبا ذر! فيك جزء من الجاهلية لم تتخلص منه: تعيره بلون أمه، ولذلك ينبغي علينا إن استقمنا وأردنا الاستقامة أن نخلع عباءة الجاهلية، فالجاهلية سلوك وخلق، فلنخلع حمية الجاهلية، وعصبية الجاهلية، والاعتزاز بالحسب والنسب، فإن كل هذا من الجاهلية.
ومهما ادعت المجتمعات المعاصرة أنها في مدنية وتطور ورقي وثورة معلومات فأقول: إنها تعيش في عفن الجاهلية، فالتبرج تبرج الجاهلية، والحكم حكم الجاهلية، قال عز وجل:{أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ}[المائدة:٥٠]، فنحن في مجتمعات إسلامية، لكن فيها مظاهر جاهلية، لذلك تقديس الحجارة من مظاهر الجاهلية.
قال صلى الله عليه وسلم:(ألا إن كل أمر من أمور الجاهلية موضوع تحت قدمي)، فيا من استقمت على شرع الله عز وجل! ضع أمور الجاهلية تحت قدمك، ولا يكفي أن تستقيم ظاهراً وتترك الباطن يغوص في عفن الجاهلية.