الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فبعد الجدل والمماطلة والمراء مع نبيهم، واستهزائهم بأمر ربه قال الله لهم:{وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا}[البقرة:٧٢]، وهذه الآية من السياق في القصص العادي هي أول آية؛ لأن ذبح البقرة كان من أجل إحياء القتيل، لكن القرآن ينوع في قصصه؛ ليشد انتباه السامع، وهذا من إعجاز القرآن اللغوي، لكن تجد بعض الناس -القردة والخنازير- في هذه الأيام يتطاولون على القرآن الكريم، ووالله إن مشركي العرب الأوائل كانت عندهم عقول هي أفضل من عقول هؤلاء، فقد قالوا عن النبي صلى الله عليه وسلم: ساحر، مجنون، يعلمه بشر، أبتر، لكنهم ما استطاعوا أن يطعنوا في القرآن وهم أرباب البلاغة؛ لأنهم نظروا في القرآن فأعجزهم، حتى التقديم والتأخير فيه لمعنى عظيم، يقول الله عز وجل:{وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ}[الإسراء:٣١]، وفي الآية الأخرى:{وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ}[الأنعام:١٥١]، فهنا (نرزقكم)، وهناك (نرزقهم)، فهذا التقديم والتأخير لعلة، ففي الآية الأولى (نرزقهم) أي: عندما يكون الرجل غنياً وامرأته حامل، فيخشى إن أتى الولد أن يكون سبباً في فقره، فالله يقول له: إن الولد يأتي برزقه فلا تقتله خشية الفقر، فنحن نرزقهم في حال الغنى، وفي حال وجود الفقر الحقيقي، فهذا إعجاز بلاغي ولغوي، وكذلك تأمل في سورة يوسف عندما قالت النسوة: امرأة العزيز، ولم يسموها باسمها، فقال تعالى:{وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبًّا إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلالٍ مُبِينٍ}[يوسف:٣٠]، وهذا يشير إلى أربعة معان: الأول: يشير إلى أنها متزوجة.
الثاني: تزداد المصيبة أنها متزوجة.
الثالث: قولهم: تراود، ولم يقلن: راودت، أي: لا زالت تراود مراودة، وتعرض نفسها عليه بكلام، وبفعل، وبإيماء، وحركات.
الرابع: أنها راودت فتاها، ويا ليتها راودت غير فتاها.
أيضاً: إتيان القرآن باسم المسيح بعدة أسماء، حتى قال قائلهم: إن القرآن متعارض متضارب؛ لأنه مرة يقول: المسيح، ومرة يقول: ابن مريم، ومرة يقول: عيسى بن مريم! ونسى هذا المغفل أن هذا من التفنن البلاغي في القرآن، وكذلك القرآن مرة يرفع في قوله:{الصَّابِئُونَ}[المائدة:٦٩]، ومرة ينصب في:{وَالصَّابِئِينَ}[البقرة:٦٢] ثم يقول: ومعنى ذلك أن القرآن متعارض، فيا قوم إن القرآن معجزة أعجزت البلغاء، وأعجمت صناع اللغة وأرباب البيان عن أن يأتوا بمثله، وفي عصرنا الآن من ليس لهم علاقة بالإعجاز يتحدثون في القرآن.