ثم عاد موسى عليه السلام من ميقاته بعد أن أوحى الله إليه بالتوراة، وكتب له الألواح بيده، فقال تعالى:{وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ}[الأعراف:١٤٥]، فالتوراة فيها حكم الله، والتوراة بشّرت بسيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم، ويا ليتهم يقرءونها، لكنهم حرّفوا الكلام عن مواضعه وهم يعلمون، وجحدوا النعمة وهم يستيقنون، {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ}[النمل:١٤]، لذلك حينما زنى رجل يهودي بامرأة يهودية فالحد عندهم في التوراة كالحد عندنا، ألا وهو الرجم، فجاء اليهود إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا:(يا محمد -عليه الصلاة والسلام- كيف تجدون حكم الزاني عندكم؟ فقال لهم النبي عليه الصلاة والسلام: وما عندكم أنتم؟ قالوا: عندنا التعذيب والجلد، أي: لم يقولوا بالرجم، قال: فأتوني بالتوراة، فجاءوا بالتوراة فقرأ أحدهم فوضع يده على حكم الرجم، وعبد الله بن سلام كان حبراً من أحبارهم يعرف مداخل التوراة ومخارجها، فقال: ارفع يدك يا خبيث، فقرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة أن حكم الزاني المحصن الرجم، فأنزل الله في القرآن:{وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ}[المائدة:٤٣])، فالتوراة فيها حكم الله، لكن القوم حرفوا الكلم عن مواضعه، ووضعوا فيها ما لذ وطاب، وابن حزم الأندلسي ومن قبله فيلسوف يهودي يسمى اسبنوزا -لعنوه وطردوه من معابدهم- أثبتوا لهم أن التوراة بعد موت موسى قد حرفت، وأدلة تحريفها واضحة للأعمى الذي لا يرى، وللأصم الذي لا يسمع، فهي واضحة كالشمس في وضح النهار، وهل هناك كتاب ينزل من السماء فيه أن نبياً يزني بابنته إلا في توراة اليهود؟! وهل هناك شرع ينزل من السماء يدعو إلى الزنى والفاحشة إلا في توراة اليهود؟! لكن القوم ليس عندهم حياء ولا كرامة، ولهذا أقول: لما عاد موسى عليه السلام ووجد القوم يركعون ويسجدون للعجل أخذه الغضب، وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجره من لحيته، ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح، وظل ينكر عليهم ويعظهم، وأرادوا أن يتوبوا إلى الله، لكن ماذا كانت توبتهم؟ هذا ما سنبينه في الخطبة الثانية إن شاء الله.