للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[العفة عن المحارم]

العفة عن المحارم تعني: الكف عن محارم المسلمين، من الدم والمال والعرض، إذ إن النبي صلى الله عليه وسلم في أكبر تجمع إسلامي في خطبة الوداع في يوم النحر -والحديث صحيح في البخاري وغيره- قال لأصحابه: (أتدرون في أي بلد أنتم؟)، وهل الصحابة لا يدرون في أي بلد هم؟ لا، لكن الصحابة تعلموا الأدب، والأدب مقدم على العلم؛ ولذلك كان الصحابة يتعلمون سبعين باباً من الأدب، ويتعلمون باباً واحداً من العلم، وكما قيل: علم بلا أدب كالنار بغير حطب، فليكن علمك ملحاً وأدبك دقيقاً كما قالوا، وهذا معناه: أن الأدب يقدم على العلم، ومعناه: أنك تطلب العلم بأدب، وقد جاء ذكر الأدب في طلب العلم في القرآن في أكثر من سورة، وليس هذا هو مقامه.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (أتدرون في أي بلد أنتم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم)، وهذا تسليم مطلق، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم حتى ظن الصحابة أنه سيسمي البلد بغير اسمه، ثم سألهم: (أتدرون في أي يوم أنتم؟ فقالوا: الله ورسوله أعلم)، لا يسأل هذا السؤال إلا لأمر مهم.

(أتدرون في أي شهر أنتم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه، فقال: ألستم في بلد حرام، وفي يوم حرام، وفي شهر حرام؟! قالوا: بلى! قال: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا).

إذاً: النبي عليه الصلاة والسلام يحدد الحرمات، فأول أنواع العفة: العفة عن المحارم: عفة اللسان عن الغيبة، وعفة العين عن النظر، وعفة الفرج عن الحرام.

عفة المحارم قال عنها العلماء: ضبط الفرج عن الحرام، وكف اللسان عن الأعراض.

ربما يكون المسلم طيباً ورعاً تقياً مصلياً، لكنه يترك للسانه الحرية، وهذه مصيبة الأمة، نتمضمض بأعراض بعضنا ليل نهار، لا هم لنا إلا قيل وقال، والاتهام المتبادل، وسوء الظن، والغيبة، وعدم تحري الصدق في الحديث، وهذا مصيبة ما بعدها مصيبة، لذلك لما قال معاذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (أو إنا لمؤاخذون بما نتكلم به يا رسول الله؟! قال: ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم)، وقال الحسن البصري يخاطب اللسان: يا لسان! قل خيراً تغنم، واسكت عن شر تسلم من قبل أن تندم.

فلسان المؤمن مقامه ومكانه خلف قلبه، ولسان المنافق أمام قلبه، والمعنى: أن المؤمن لا يتكلم الكلمة إلا إذا مرت على قلبه ووعاها، وعرف معناها وقصدها؛ لأنه يعرف تمام المعرفة أنه: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:١٨].