للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الآيات القرآنية الواردة في العفة]

لا بد أن نحاسب الجوارح عما تقدم، يقول ربنا في سورة البقرة: {لِلفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الأَرْضِ يَحْسَبُهُمْ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنْ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً} [البقرة:٢٧٣]، ويقول ربنا في سورة النساء: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى} [النساء:٦]، والابتلاء: الاختبار، واليتيم عندنا: من مات أبوه، وفي الطيور: من ماتت أمه، واللطيم: من فقد الأب والأم، واليتيم في البشر الذي لم يبلغ الحلم، فإن بلغ الحلم لا يسمى يتيماً، فلا يصح أن يطلق لقب يتيم على من بلغ الأربعين: (لا يتم بعد احتلام ولا رضاع بعد فطام)، رواه الدارقطني، والله يقول: ((وَابْتَلُوا الْيَتَامَى) أي: اختبروهم ((حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ) أي: سن الرشد والتمييز، ((فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلا تَأْكُلُوهَا إِسْرَافاً وَبِدَاراً أَنْ يَكْبَرُوا وَمَنْ كَانَ غَنِيّاً فَلْيَسْتَعْفِفْ) أي: إذا كان عندي يتيم في حجري أقوم برعايته، وماله عندي، فإنني أستعفف عن ماله طالما أنني غني، {وَمَنْ كَانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء:٦].

وقال ربنا سبحانه في سورة النور -سورة العفاف والطهر-: {وَلْيَسْتَعْفِفْ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحاً حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:٣٣]، والمعنى: أن من لم يجد القدرة على الزواج عليه أن يعف نفسه بطاعة ربه، ثم قال في سورة النور أيضاً: {وَالْقَوَاعِدُ مِنْ النِّسَاءِ اللاَّتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً} [النور:٦٠]، أي: امرأة بلغت من السن ما بلغت، عجوز ولا ترجو زواجاً؛ لأنها تنتظر الموت، لكن بعض الهابطات يتجاوزن السبعين سنة وما زلن كالشابات، فهؤلاء لا يدخلن في القواعد، وإنما نقصد بالقواعد: جدتي وجدتك اللاتي لم يعد لهن قدرة على النكاح، حتى وإن كان عندهن رغبة، لكنهن لا يستطعن أن يتكلمن، قال: ((فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ) أي: تضع من ملابسها ولا تتزين، بل تخفف، وليس المقصود: أن تظهر العورة، فمثلاً الخمار ترخيه عن وجهها شيئاً يسيراً؛ لأنها لا ترجو نكاحاً؛ ولذلك قال الله: ((غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ) ومع ذلك قال: {وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ} [النور:٦٠]، أي: إن يتركن هذا فهو الأفضل.

ومما جاء في العفة قوله تعالى: ((وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتْ الأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ لَكَ) انظروا إلى العفة! قال: {مَعَاذَ اللَّهِ} [يوسف:٢٣]، لم يمتنع يوسف عن الفاحشة لأنه ليس له القدرة على الجماع، بل كان شاباً عنده تمام الرجولة والفحولة على مجامعة النساء، لكن الذي منعه هو العفة، {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ} [يوسف:٢٣].