[شهادة الناس للميت بحسن عمله أو سوء عمله]
إن من الواجب عليّ، بل من اللازم والوفاء بالعهد لرجل كان يحفظ القرآن، وهو الشيخ عبد اللطيف إمام هذا المسجد الذي كان يصلي بنا المغرب والعشاء، ويتلو من آيات ربنا ذهاباً وإياباً، نفتقد الآن صوته وحضوره، لقد كان يصلي معنا الجمعة والفروض، وكنا نحترم قدومه، فنجلس في درس العلم حتى يأتي، ويُعطي الإشارة إلى المؤذن أن يقيم الصلاة، وهذا هو الأدب، فلا يجوز لأحد من الحضور أن يأمر بإقامة الصلاة إلا الإمام حتى وإن تأخر نصف ساعة، وكان البعض ينظر إلى أن الشيخ عبد اللطيف تأخر، لكن أحداً لا يستطيع أن يقول: أقم الصلاة، وهذا أدب رفيع تعلمناه ولا شك في هذا، لكنني أقول لحضراتكم: أحسب أن القرآن سيشفع له عند ربه، أحسب ذلك ولا أزكيه على الله، فالرجل كان حافظاً لكلام ربه مع كبر سنه، وكان يقرأ من التوبة والأنفال والأنعام والنساء والأعراف ذهاباً وإياباً في كتاب ربه، فكان يحب القرآن وأهله ويتقرب إليهم.
روى البخاري في صحيحه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس مع أصحابه، فمرت عليه جنازة فقال الصحابة: من الميت؟ فلما عرفوه قالوا: كثير الصلاة، الصيام، حسن الخلق، حافظ للقرآن، مقيم لحدود الله فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وجبت، ثم مرّت جنازة أخرى، فذكره الصحابة بسوء خلقه، وبتضييعه للفروض، وبأكله للحرام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وجبت، فقال الصحابة: يا رسول الله! ما وجبت؟ قال: أما الأول فذكرتموه من حسن خلقه ومن كثرة صلاته وصيامه، ومن اتقائه لربه فوجبت له الجنة، وأما الآخر فذكرتموه من سوء خلقه ومن تعديه لمحارم ربه، فوجبت له النار، أنتم شهداء الله في الأرض).
أيها الأحباب الكرام! إن المسلم بعد موته يترك أثراً طيباً.
قال إبراهيم عليه السلام: {وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ} [الشعراء:٨٤]، إن مات إنما يموت واقعاً بين الناس، لكنه يترك بين الناس أثراً طيباً وسيرة طيبة.
أسأل الله سبحانه بفضله وكرمه وعفوه ورضاه أن يغفر له، اللهم اغفر له وارحمه، اللهم اغفر له وارحمه، اللهم اغفر له وارحمه، اللهم شفّع قرآنه فيه، وشفّع صلاته فيه، اللهم كن له تحت أطباق الثرى خير أنيس لوحشته، وخير جليس لوحدته، اللهم ثبته بالقول الثابت عند سؤال الملكين، اللهم نقّه من خطاياه كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسله من خطاياه بالماء والثلج والبرد، اللهم إنك عفو كريم حليم تحب العفو فاعف عنه.
اللهم استر عوراتنا وآمن روعاتنا، وأمّنا في أوطاننا، وبدّلنا من بعد خوفنا أمناً، ومن بعد ضيقنا فرجاً، ومن بعد عسرنا يسراً، اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا إلى النار مصيرنا، واجعل الجنة هي دارنا وقرارنا.
اللهم انصر الإسلام وأعز المسلمين، وأذل الشرك والمشركين، اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا، اللهم اغننا بحلالك عن حرامك، واكفنا بفضلك عمن سواك، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، اللهم إنك عفو تحف العفو فاعف عنا.
{رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا} [البقرة:٢٨٦].
اللهم ارزقنا قبل الموت توبة، وارزقنا عند الاحتضار شهادة، وارزقنا بعد الموت جنة ونعيماً، اللهم ول أمورنا خيارنا، يا رب! لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، يا رب! لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، اللهم اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا، علّمنا من القرآن ما جهلنا، ذكّرنا من القرآن ما نُسّينا، ارزقنا حب القرآن، وفهم القرآن، ونور القرآن، وعطاء القرآن، بيّض وجوهنا بنور القرآن، احفظ أعراضنا ببركة القرآن، بارك لنا في أرزاقنا ببركة القرآن، اجعلنا من أهل القرآن يا ربنا! اجعلنا ممن يحل حلاله ويحرم حرامه.
اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.
آمين آمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.