وفي القصة يا إخواني: أن الذنوب تعمي صاحبها عن إدراك الحق، فالولد العاصي القاتل لم يدرك بفهمه وبنور بصيرته كيف يواري سوءة أخيه، فنحن نستفيد من الآية: أن الذنوب تعمي صاحبها عن إدراك الحقائق، قال تعالى:{فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ}[يوسف:٥٨] عرفهم بنور طاعته، وأنكروه بظلمة معصيتهم، فالمؤمن يرى بنور ربه سبحانه، يفرق الله له بين الحق والباطل، قال تعالى:{فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ}[المائدة:٢٧]، وانظروا إلى منهج القرآن:((مِنْ أَحَدِهِمَا))، ((مِنَ الآخَرِ)) فيه عدم الاعتناء بالأسماء {قَالَ لَأَقْتُلَنَّكَ}[المائدة:٢٧] ما ذنبي إن لم يتقبل الله عز وجل قربانك يا عبد الله؟! يجب أن تراجع نفسك وتحاسبها على عدم قبول القربان، أو يجب أن تسألني ما الذي تسبب في قبول قرباني عند الله؟ والمؤمن يستفيد من المواقف، فلا يمر عليها سلبياً، لا بد أن ينتفع.
ففي صحيح مسلم أن رجلاً يمشي في الصحراء، سمع صوتاً في السماء ينادي سحابة: اسق زرع فلان، لو أن واحداً منا لأكثر من الأسئلة: من فلان؟ ما الزرع؟ وهذا لا يعنيه، ولذلك جل النظريات العلمية المعاصرة نتيجة فكر المحلل، والمحلل هو الذي يتأثر بالمواقف والأحداث، أي: أن التفاحة حينما سقطت على رأس قانون الجاذبية قال: لماذا سقطت إلى أسفل ولم ترتفع إلى أعلى؟ فاكتشف قانون الجاذبية الأرضية؛ وذلك لأنه ينظر إلى الأمور بفكر المحلل، لا بفكر المشاهد، وفرق بين من يحلل ومن يشاهد، فأنت مأمور أن تحلل المواقف بما يستقيم مع عقيدتك.
فهنا كان ينبغي على العاصي أن يسأل، لكن انظر إلى
الجواب
(( لَأَقْتُلَنَّكَ)) فهل جزاء الذي تقبل الله منه قربانه أن يقتل؟! يقول سلفنا: وأول ذنب عُصي الله به في السماء والأرض هو الحسد، ففي السماء كان حسد إبليس، وفي الأرض كان حسد ابن آدم لأخيه.
فالحسد مدمّر للعلاقات الإنسانية، وهو سبب كل بلاء يقع على وجه الأرض، ففي الحسد بغض المحسود وتتبع النعمة وتمني الزوال كما يقول ابن القيم رحمه الله، فما الذي دفع إخوة يوسف إلى أن يطرحوا يوسف في البئر؟ إنه الحسد، وما الذي منع أهل الكتاب من قبول نبوة النبي محمد عليه الصلاة والسلام؟ إنه الحسد، فقد كانوا يتربصون انتظار النبي صلى الله عليه وسلم، وينتظرون بعثته إلى أن جاء من ذرية إسماعيل، ولم يأت على هواهم، وكانوا يتمنون أن يكون من ذرية يعقوب، ولذلك يقول ربنا:{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}[البقرة:١٤٦] أي: يعلمون أنه الصادق صلى الله عليه وسلم.