[قراءة القرآن]
أولاً: قراءة القرآن، فقد كان الزهري يقول: إنما رمضان للقرآن وإطعام الطعام.
ويؤثر أن الشافعي كان يختم القرآن في رمضان ستين مرة، وقد يقول قائل: كيف والنبي صلى الله عليه وسلم قد نهى عن أن يختم القرآن في أقل من ثلاث؟ والجواب لـ ابن رجب الحنبلي وللإمام النووي، فقد قالا: في الأزمان الفاضلة وفي الأماكن الفاضلة ينبغي أن تضاعف الطاعات، ومن ثم في المعتاد لا ينبغي أن تختم في أقل من ثلاث، أما إذا جاء رمضان فقد كان الشافعي يختم في رمضان ستين ختمة، وهكذا كان حال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وحال السلف جميعاً، كـ مالك والأسود النخعي ومجاهد وغيرهم.
وإذا قرأت في سيرتهم ستعلم أنهم كانوا إذا جاء رمضان قالوا: جاء شهر القرآن، وقد كان جبريل عليه السلام يدارس النبي صلى الله عليه وسلم القرآن في رمضان، والمدارسة: مفاعلة من قارئ ومستمع، أي: أن جبريل كان يقرأ والنبي صلى الله عليه وسلم يستمع، أو أن النبي يقرأ وجبريل يستمع، فهذه هي المدارسة، وفي العام الذي مات فيه النبي صلى الله عليه وسلم دارسه القرآن مرتين، ولذلك حب القرآن دليل إيمان، وبغض القرآن دليل نفاق، قال صلى الله عليه وسلم لـ ابن مسعود: (اقرأ علي القرآن، قال: قلت: يا رسول الله! أأقرؤه عليك وعليك أنزل؟ قال: إني أحب أن أسمعه من غيري، قال: فأخذت أقرأ من سورة النساء حتى وصلت إلى قول الله: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا} [النساء:٤١]، فقال صلى الله عليه وسلم لـ ابن مسعود: حسبك -يعني: كفاك قراءة- قال: فنظرت إلى وجهه فإذا عيناه تذرفان بالدموع)، فبكى صلى الله عليه وسلم عند سماع القرآن.
ويعرف العلماء القرآن بأنه: كلام الله، تكلم به على الحقيقة، وسمعه جبريل، ونزل به على قلب الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم، {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ} [الشعراء:١٩٣ - ١٩٤].
وفي البخاري: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يحرك لسانه خشية أن يتفلت القرآن من صدره، فقال الله له: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة:١٦ - ١٩]، وقال سبحانه: {وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} [طه:١١٤].
أحبتي الكرام! عند قدوم رمضان علينا أن نقبل على القرآن تلاوة، وحفظاً، وتطبيقاً لأحكامه، ونقبل عليه سماعاً ومدارسة في حلقات، ونسمعه في قيام رمضان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (الماهر بالقرآن مع الكرام السفرة البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران).
أي: أجر القراءة وأجر التعتعة.
ويقسم العلامة ابن القيم في كتابه بدائع الفوائد هجر القرآن إلى ستة أقسام، قال الله عز وجل: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان:٣٠]، فأين نحن من القرآن؟! وأين منه المسلمون؟ وأين حياتنا من القرآن؟ القسم الأول من هجر القرآن: هجر التلاوة، فمن الناس من يهجر القرآن تلاوة، والله يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [المزمل:٤]، وقال: {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ} [البقرة:١٢١].
القسم الثاني من هجر القرآن: هجر الحفظ، فأين حفظة القرآن، ولذلك نقول: ينبغي أن نحفز الأئمة على أن يقرءوا من حفظهم بدلاً من أن يقرءوا من المصحف، نعم القراءة من المصحف تجوز؛ لفعل عائشة مع ذكوان، فقد كان ذكوان يصلي بـ عائشة من المصحف في صلاة القيام، لكن هذا يترتب عليه أن يتفلت القرآن من صدور الحفظة، لاسيما أننا في عصر قل فيه الحفظة، فالأولى أن يقرأ القرآن من الحفظ.
القسم الثالث من أقسام هجر القرآن: هجر التدبر، قال عز وجل: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء:٨٢]، وهجر التدبر: ألا تتدبر المعاني، والسيدة عائشة رضي الله عنها كانت تصلي بالليل بآية ترددها وتبكي، كذلك حال عمر رضي الله عنه، فقد جاء في مناقب عمر أنه كان يحب أن يقرأ سورة يوسف في الليل، فإذا بلغ إلى قول الله: {إِنَّمَا أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ