أسباب هذه الظاهرة متعددة، منها: السبب الأول: الغيرة، فهذا العالم يحضر له الآلاف، وهذا يحضر له عشرات، وإن زادوا عن العشرة فالحمد لله، فيبدأ يغار.
وكما قال العلماء: إن العلماء يغارون من بعضهم، ويتناطحون كما تتناطح البهائم في زرائبها.
ولذلك فكلام الذين يتكلمون في بعضهم نسميه كلام الأقران، والقرين يعني: المعاصر، فتأخذ كلامه في قرينه بحذر، فكلام الأقران يطوى ولا يروى.
السبب الثاني: الحسد.
السبب الثالث: الهوى.
السبب الرابع: التقليد، فتجد أحد الناس يقول لك: لا تسمع لفلان، فإذا قلت له: هل سمعته؟ يقول: لا، أخبرني فلان أنه يقول كذا، فيقلد من ينقله له، وكثير من طلبة العلم لا يضبط السماع، ولا يسمع بتركيز، ويسمع ما يهوى أن يسمع، فينقل للعالم أقوالاً ما قالها، وينقل الثاني والثالث، ثم إن الدائرة تتسع، وإذا رجعت إلى العالم يقول: والله ما قلت، ويكون المصدر قد سمع خطأ، فالواجب عليك أن تراجع.
السبب الخامس: التعصب الأعمى الذي أضاعنا وأضاع الأمة، وأخطر جماعة الآن على الساحة هي الجماعة الحزبية التي تحزب أفرادها، فهم حزب واحد لا يسمعون إلا لبعضهم البعض، ويقدحون في علمائنا، فهذه الجماعة التي تدعو إلى الحزبية البغيضة هي أخطر على الأمة من أي شيء؛ لأنها تطعن في وحدة الأمة، ونحن جميعاً سواء، فتجد أحدهم يمشي ويقول: أنا أنصاري، أنا تبليغي، أنا سلفي، ثم يعقد جماعة وبيعة تحت الأرض ويقيم أسراً بالليل أو بالنهار، فيا عبد الله! أعلن عن نفسك، وليكن كلامك عاماً أمام الجميع، وأما أن تتكلم تحت الأرض فأنت حزبي ماكر، وهذا الكلام قد لا يعجب البعض.
وكم عانينا في قرانا من هؤلاء، وتخيلوا أنهم مرة عند محاضرة لعالم سلفي فصلوا الميكرفون وقطعوا السلك، وفي محاضرة في بلد بجوار الزقازيق أتوا بسيارة ووضعوها أمام المسجد؛ ليرتفع صوتها؛ حتى لا يخرج صوت المحاضر، فهؤلاء ناس يبغضون علماء الأمة، ولا ينتمون إلا لعلمائهم، ولا يحضرون إلا دروس بعضهم بعضا، وإن كان العالم لا ينتمي إلى جماعتهم فلا يسمعون له، فهذه جماعة خبيثة، فلنحذر من التعصب الأعمى لمذهب أو لجماعة وصدق من قال: جماعة واحدة لا جماعات، وصراط واحد لا عشرات، فجماعتنا جماعة واحدة، وأما تعدد الجماعات والولاء والبراء على أساسها فليس من ديننا في شيء فالمسلمون كلهم جماعة واحدة، والعمل الجماعي مطلوب، ولكنه في النور وليس في الظلام، وعلى غير أسماء، والولاء والبراء في عقيدة السلف لله ولرسوله.
السبب السادس: التعالم، ومعنى التعالم: أن البعض يبدأ في طلب العلم ثم يظن أنه قد بلغ أقصاه.