ثم قال صلى الله عليه وسلم:(ألا إن كل دم من دماء الجاهلية موضوع تحت قدمي)، فالقتل عصبية، والقتل بغير وجه حق كل ذلك من الجاهلية، وقد يعجب المرء عندما يستمع إلى فتوى مجمع البحوث قسم الفلسفة والعقيدة في خطوة جريئة أفتت بها: بأن المرتد عن الإسلام لا يقتل، بل يظل مستتاباً حتى نهاية عمره، فخرجت الفتوى متفقة مع روح الإسلام التي تستند إلى القرآن كمصدر من مصادر التشريع، وهذا حسب زعمهم، أما السنة فلا يعترفون بها كمصدر من مصادر التشريع، ثم يعلق كاتب المقال قائلاً: ومن هنا فإن حد الردة المزعوم من مخلفات التراث السياسي الإرهابي في الإسلام، وهو نتاج الصراعات السياسية، ولا علاقة له بالدين من قريب أو بعيد! وما علم هذا المغفل أن في صحيح البخاري أن النبي عليه الصلاة والسلام قد قتل في زمنه من ارتد، وأيضاً في حديث أبي موسى الأشعري ومعاذ بن جبل لما كانا على أرض اليمن في خلافة واحدة، فجاء معاذ يزور أبا موسى في الله فوجد عنده رجلاً مربوطاً فقال: من هذا؟ فقال: رجل ارتد عن دينه، فقال معاذ: لن أجلس حتى يقتل، حكم الله ورسوله، وما جلس رضي الله عنه حتى قتل، فهذه أحاديث واضحة كوضوح الشمس، لكنهم أخفوها وضيعوها وجعلوها وراء ظهورهم، ومن ذلك أيضاً: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من بدل دينه فاقتلوه)، وقوله عليه الصلاة والسلام:(لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والتارك لدينه المفارق للجماعة، والنفس بالنفس)، فقوله:(التارك لدينه المفارق للجماعة)، أي: المرتد، وحديث آخر: أن رجلاً كان يعمل أجيراً عند رجل آخر، فوقع على زوجته، أي: زنا بها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل:(اغد يا أنيس!)، أي: اذهب، (فإن أقرت المرأة فارجمها، وإن أقر الشاب فاجلده)، فللزاني غير المحصن الجلد، وللزاني المتزوج الرجم حتى الموت، وهذه نقطة مهمة جداً، وقد رأينا من يكتب ويقول: إن الرجم لا علاقة له بدين الله تعالى، فيهدرون النصوص التي جاءت بها السنة النبوية.
وأقول: إن حد الردة ثابت عند جمهور الفقهاء، كـ ابن حنبل ومالك والشافعي وأبي حنيفة وجمهور السلف وعلماء الأمة والصحابة والتابعين وتابع التابعين، خلافاً لمن أصيب بعفن في فكره والقائل: إن الردة ليست من الإسلام حتى توافق روح الإسلام! وقبل ذلك: الرجم ليس من الإسلام! ولعل بعد مدة يأتي من يقول: إن الصلاة ليست من الإسلام، وإنما المقصود بالصلاة الدعاء! وهذا كله من دعاوى وآثار الجاهلية، أما قتل المرتد فهو قتل بحق، والمرتد يستتاب ثلاثاً، وقد استنبط الإمام علي من قول الله سبحانه:{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلًا}[النساء:١٣٧] أن المرتد يستتاب ثلاثاً، وهذا فعل الصحابة وإجماع جمهور العلماء.