[برنامج المسلم في رمضان]
الحمد لله رب العالمين، {غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [غافر:٣]، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه.
أما بعد: فهذا برنامج للمسلم في رمضان.
استيقظ قبل الفجر بوقت قصير، وصل لربك ركعات في وقت السحر؛ لأن هذا الوقت له فضل، جاء في الحديث: (إن الله ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل).
باع رجل من السلف جارية إلى رجل آخر فجاء رمضان فاشتروا المأكولات والمشروبات وكدسوا، فقالت الجارية: لم تصنعون هذا؟ قالوا: لأننا على اقتراب من رمضان، قالت لهم: وأنتم لا تصومون إلا في رمضان؟ قالوا: نعم، قالت: لقد جئت من عند رجل السنة عنده كلها رمضان، ردوني إليه.
ثم تناول وجبة السحور؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (تسحروا فإن في السحور بركة)، والفرق بين صيامنا وبين صيام أهل الكتاب وجبة السحور.
وفي البخاري عن زيد قال: (تسحرنا مع رسول الله).
قال ابن حجر: قوله: (تسحرنا مع) ولم يقل: تسحرنا (و) لأن (مع) يشعر بالتبعية، أما حرف الواو فيفيد العطف، قال: (تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له أنس: كم كانت المدة بين سحوركم وبين نداء الفجر يا زيد؟! قال: قدر قراءة خمسين آية من كتاب الله).
ففي هذا الحديث أنهم كانوا يقدرون الأوقات بالطاعات، أما الآن فتجد رجلاً يقول لآخر: متى أقابلك؟ فيقول: بعد الفزورة أو بعد المسلسل، أما الرجل الصالح فيقول: بعد القيام، أو بعد صلاة التراويح، أو بعد الموعظة، فربط الأوقات بالطاعات من هدي السلف.
قوله: (قدر قراءة خمسين آية) فيه أنهم كانوا يؤخرون السحور، وينتهون من السحور وهو يؤذن للفجر.
لذلك كان من سنة النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون للفجر أذانان: أذان قبل الفجر الصادق بثلث ساعة، وأذان للفجر الصادق، وهذه سنة مؤكدة غابت عن ديارنا، ويا ليت أننا نجد لها من يحييها، فمن أحياها أحيا الله قلبه يوم تموت القلوب، فهي سنة مؤكدة، لكن أين هي في بلادنا؟ ولو أذنت للفجر أذانين فستجد أن البعض يتعجب، ويقولون: الشيخ جاء ببدعة، فنحن في زمن إن أحييت سنة قال الناس: أحييت بدعة، وإن أحييت بدعة قال الناس: أحييت سنة، فانقلبت الموازين! كان بلال يؤذن الأذان الأول، وكان ابن أم مكتوم يؤذن الأذان الثاني، وكان رجلاً أعمى لا يؤذن حتى يقال له: أصبحت، أصبحت، قال ابن حجر: وفي الحديث جواز أن يؤذن الأعمى إذا كان له من يخبره، فـ بلال يؤذن وينزل، ثم يصعد ابن أم مكتوم ليؤذن، يقول صلى الله عليه وسلم: (لا يغرنكم أذان بلال؛ فإنه يؤذن بليل، كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم).
وأما مدفع الإمساك الذي يضرب فلا نعرفه، ولا يحرم الطعام ولا ينبني عليه حكم شرعي، ومن حرم الطعام بعد مدفع الإمساك فقد حرم ما أحل الله، فكل واشرب حتى يشرع المؤذن في النداء، وأما قبل ذلك فأنت في حل.
وبعد السحور وصلاة ركعات في جوف الليل والاستغفار في هذا الوقت تصلي سنة الفجر بعد الأذان في بيتك؛ فإن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي ركعتين خفيفتين في بيته، يقرأ في الأولى: بـ ((قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ))، وفي الثانية: بـ ((قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ))، وأحياناً كان يضطجع في حجرته، والاضطجاع يكون في حجرته في المسجد، وهذا هو الرأي الراجح؛ فإذا خرج ورآه بلال أقام الصلاة؛ لأن الذي يأمر المؤذن بالإقامة هو الإمام، أما نحن في مسجدنا فتجد من يقول: أقم الصلاة معنا شغل! فالذي يملك أن يأمر المؤذن هو الإمام فقط، أو من يستخلفه الإمام.
قال بلال: (دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم أستأذنه يوماً فوجدته يبكي، فقلت: ما يبكيك يا رسول الله؟! قال: كيف لا أبكي يا بلال! وقد أنزل الله علي الليلة: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:١٩٠ - ١٩١]).
وكان يطيل في قراءة الفجر؛ لكونها ركعتين، ولا ينصرف من مصلاه إلا بعد شروق الشمس، فإن يسر الله لك هذا فالحمد لله، وإن لم ييسر لك فحاول أن تقترب وأن تدنو يوماً أو أكثر من يوم ولا تحرم نفسك من الخير، ثم بعد ذلك انطلق.
وينبغي علي