للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الكبر على العباد]

ثالثاً: الكبر على العباد، ولذا فاحذر أن ترى نفسك أفضل من أحد، بل لابد أن تشعر أنك أقل من الجميع، واهضم حق نفسك، وتأمل إلى عمر وهو يقول لـ حذيفة أمين سر رسول الله في المنافقين الذين تخلفوا في غزوة تبوك أو غيرهم، فيبكي ويقول: يا حذيفة! أستحلفك بالله أسماني رسول الله مع المنافقين أم لا؟ عمر يخشى على نفسه من النفاق، أما نحن فقد أمنا من مكر الله عز وجل، ثم انظر إلى حال الأغنياء الذين يريدون أن يقيموا الناس بأموالهم، فيقولون: يا رسول الله إن للفقراء رائحة تزعجنا وتؤلمنا فاجعل لنا مجلساً آخر غير مجلسهم، فلا نريد أن نخالط الفقراء في مجلس واحد، فأنزل الله قوله: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا} [الكهف:٢٨].

ثم أيضاً من الناس من يتكبر على الخلق بمكانته الاجتماعية: سواء بملكه، أو رئاسته، أو منصبه، فنقول له: اعلم أن الملك بيد الله يؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء، وهذه قصة تبين لنا أن الملك لا يساوي شيئاً: فقد أمر ملك من الملوك خادمه أن يأتي له بكوب من ماء، فلما جاءه الخادم بكوب الماء وشربه ثم سأله أحد جلسائه -وكان حكيماً- ماذا تصنع إن عز الماء فلم تجد شربة ماء؟ قال: أنفق نصف ملكي لأحصل عليها، قال: فإن حبس الله هذه الشربة في بدنك فما أنت صانع؟ قال: أنفق النصف الآخر، قال: فمال هذا الملك الذي لا يساوي شربة ماء؟! فانظر إلى من ابتلاهم الله -نسأل الله أن يعافينا ويعافيكم- بحبس البول في المثانة، فيعملون لهم قسطرة لإخراج هذه القطرات من البول.

فالذي يتجبر بملكه وبمكانته يوم أن يصاب بأدنى أذى يجأر إلى ربه عز وجل، ومن الناس من يتكبر بماله، ومن الناس من يتكبر بمظهره وجماله، وهذا أكثر ما يكون في النساء، لذا لابد أن يعلم الجميع أن الدود سيأكل هذا الجمال، وسيضم بين القبر ويفنى.

ولذا ينبغي على العبد العاقل أن يتواضع لربه عز وجل، قال تعالى: {الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا} [الفرقان:٦٣]، فهذه هي الصفة الثانية من صفات عباد الرحمن، صفة الحلم، وهذا ما سنبينه في الخطبة الثانية إن شاء الله تعالى.

أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم.