أوحى الله سبحانه إلى نوح بقوله:{أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ}[هود:٣٦ - ٣٧]، ثم جعل الله لنوح علامة يعرف بها قرب نزول العذاب، يقول ربنا سبحانه:{حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ}[هود:٤٠](التَّنُّورُ): هو مكان الخبز، (فَارَ التَّنُّورُ)، فهذه علامة على نزول العذاب، ثم أوحى الله إلى نوح أن: احمل في السفينة: {مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ}[هود:٤٠]، وكلمة (وَأَهْلَكَ) هنا: يدخل فيها الولد وتدخل فيها الزوجة، لكن الله قال:{إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ}[هود:٤٠].
أيها الدعاة! لا تنتظروا إلى كثرة العدد فإن العدد لا يقدم ولا يؤخر، إن النبي قد يأتي يوم القيامة وليس معه أحد، مع أنه بلغ، وأقام الحجة، ولكن كما قال الله سبحانه:{لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}[البقرة:٢٧٢]، {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ}[الغاشية:٢١ - ٢٢].
يقول ربنا تبارك وتعالى:{وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِاِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ * وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ}[هود:٤١ - ٤٢]، أنزل الله الطوفان على الإنسانية في زمن نوح ولم ينج إلا عدد قليل، ثم أهلك الله الأرض ومن عليها، تقول بعض كتب التفاسير: إن الذين نجو مع نوح في السفينة اثنا عشر شخصاً، فالعبرة ليست بالكثرة، أرسل الله على الإنسانية طوفاناً من أعلى ومن أسفل، والله عز وجل له جنود لا يعلمها إلا هو، اسمع إلى قول الله:{فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ * وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا}[الحاقة:٥ - ٧] متتابعة، {فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ}[الحاقة:٧].
أرسل الله الطوفان فأغرق جميع أهل الشرك والكفر ولم ينج إلا من آمن مع نوح.
يقول الله تعالى:{وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ}[هود:٤٢ - ٤٣] وهذا فيه إشارة إلى أن النسب الحقيقي هو نسب العقيدة والدين، نوح ينادي ربه ويقول:{إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي}[هود:٤٥]، فيقول الله له:{إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ}[هود:٤٦] هذا ولاء وبراء، أخوك الحقيقي هو من يحمل العقيدة التي تحملها، وإن كان أخوك لرحم وخرج عن دائرة الإيمان فهو ليس أخاك.
يقول الله تعالى:{إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا}[الممتحنة:٤]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم:(أوثق عرى الإيمان: الحب في الله والبغض في الله)، ولذلك يقول تعالى:{لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}[المجادلة:٢٢].
أحبتي الكرام: إن مفتاح النصر لأمة الإسلام هو التضرع والدعاء لله عز وجل؛ لأن الله سبحانه وتعالى قادر، فإن كنا لا نملك شيئاً لإخواننا المسلمين الذي يعذبون الآن بيد إخوان القردة والخنازير فيجب علينا أن ندعو لهم: اللهم اربط على قلوبهم، وسدد رميهم، واجعل الدائرة على أعدائهم، اللهم اهلك عدوهم إنك على ما تشاء قدير، وبالإجابة جدير، وأنت حسبنا.