[حكم الغناء]
سألتني أخت فاضلة قبل الجمعة، وقالت: إن هناك بالمساجد من أحل الغناء، يعني: سئل عن الغناء، فأجاب: بأنه حلال.
والحقيقة أقولها والأمر لله من قبل ومن بعد: هؤلاء دعاة على أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها، فالنصوص واضحة بينة، لكننا الآن عندنا من يفصل الفتوى حسب الطلب، فيفتي فتوى مقاس واحد وأربعين أو ثلاثة وأربعين، يبيعون دينهم بدنيا غيرهم، أما قرءوا في كتاب الله: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان:٦]؟ ولهو الحديث هو الغناء، وابن مسعود يقول: والله! إنه الغناء، وفي سورة النجم قال عز وجل: {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ * وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ * وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} [النجم:٥٩ - ٦١]، والسمود: الغناء، وجاء في الحديث: (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر -يعني: الزنا- والحرير، والخمر، والمعازف)، فالغناء حرام يا عباد الله! قال الله عز وجل: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} [الإسراء:٦٤]، وصوت الشيطان هو الغناء، للشيطان صوت فضلاً عن كلمات الكفر التي يسمعونها ويصفقون لها، واسمع إلى قول العندليب الأسمر: قدر أحمق الخطا سحقت هامتي خطاه، يصف القدر بأنه أحمق، ورب العالمين يقول: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:٤٩]، وهو يقول عن القدر: أحمق، أليس هذا كفراً وردة، فإنه يصف القدر بالحمق، ويصف أمر الله بالحمق! وآخر يقول: أتينا إلى الدنيا لا نعرف لماذا، والله عز وجل يقول: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦]، فنحن نعرف لماذا خلقنا.
ثم يقول: جئت لا أعلم شيئاً عن حياتي الآتية، ولكني أبصرت أمامي طريقاً فمشيت، فانظر إلى هذا الكلام الذي فيه كفر واضح وبين، ولكن القوم يطربون ويصفقون، ويستدل بعضهم بحديث: (دخل أبو بكر على النبي صلى الله عليه وسلم في يوم عيد فوجد عنده جاريتين تغنيان، فقال: أمزمار الشيطان في بيت رسول الله؟ فقال: دعهما يا أبا بكر! فإنه يوم عيد)، يستدلون بهذا الحديث ولو قرءوا في تفسيره وفهمه لعلموا.
أولاً: كانتا جاريتين، يعني: لم يبلغا المحيض، ولا تزالان صغيرتين.
ثانياً: هل كان معهما أركسترا، وناي، وأورج، يعزفان بها؟ لم يكن شيء من ذلك، إنما كانتا يتغنيان بأناشيد يوم بعاث، وهي أناشيد حماسية ليس فيها ضرب ولا طبل ولا زمر ولا شيء من هذا الكلام، وإنما هو كلام طيب، فنهاهما الصديق عن ذلك، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (دعهما يا أبا بكر!)؛ لأنهما كانتا تغنيان بكلام طيب ليس فيه إسفاف، وغير مصحوب بآلات موسيقية، فضلاً عن أن الجاريتين كانتا صغيرتين، كما قال ابن حجر في الفتح.
وكاتب في الأهرام كتب يقول: إن إمام مسجد في القاهرة خطب جمعة يقول فيها: (إن النبي صلى الله عليه وسلم قام يصلي بالليل فجاء حذيفة فوقف عن يمينه، يقول: فقرأ سورة البقرة كاملة، فقلت: لعله يركع، فقرأ النساء، ثم قرأ آل عمران وركع) يعني: قرأ البقرة والنساء وآل عمران في ركعة، فماذا يقول هذا الكاتب صاحب العقل؟ يقول: لما حسبت المسافة الزمنية لقراءة الثلاث سور وجدتهما تستغرق ست أو سبع أو ثمان ساعات، ويركع أيضاً في ثلاث أو أربع ساعات، ويرفع ساعة، إذاً: يريد عشرين ساعة، إذاً: ضيع الفروض! فهل رأيتم إلى أين أوصله عقله، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
فنقول له: إن النبي عليه الصلاة والسلام معان من ربه على طاعته، والمعان من ربه لا تسل عن حاله.
وهذا كما قال أحدهم: كيف يكون للمؤمن في الجنة سبعون من الحور العين؟ فانظروا إلى هذه العقول، إلى أين أوصلت هؤلاء القوم، وطبعاً هؤلاء من أرباب مدرسة المعتزلة، الذين يعرضون النصوص على العقل، فإن قبل العقل قبلوا، وإن رفض العقل رفضوا، ونحن نقول: العقل يستخدم في فهم النص وليس في رد النص.
وقال قائلهم أيضاً: أنا لا أقبل أن موسى يفقأ عين ملك الموت، رغم أن الحديث في البخاري، فنقول له: قبل أن تتهم البخاري اتهم عقلك بسوء الفهم، ففهم النص مهم، وانظر إلى أقوال العلماء، فإنهم قالوا: إنه جاء ملك الموت في صورة بشرية ودخل إلى البيت دون أن يستأذن، وأنت الآن إن دخل أحد إلى بيتك دون استئذان فلك أن تفقأ عينه، وهذا حكم شرعي ثابت.
فكتب يقول: هل البخاري معصوم؟ البخاري مليء بالأحاديث الضعيفة.
فنقول له: من أنت حتى تقول: إن البخاري فيه أحاديث ضعيفة؟ فكما أن الله حفظ القرآن فقد حفظ السنة، وعهد بها إلى رجال حفظوها ودافعوا عنها، والبخاري لم يضع في كتابه الصحيح إلا الحديث الذي تيقن من صحته إلى النبي صلى الله عليه وسل