إننا نريد إسقاط هذه التعاملات عن الواقع المؤلم الذي نعيشه، والذي دخل فيه الربا إلى غالب بيوت المسلمين، كذلك التأمين الزراعي لأريافنا، والتعاملات في القروض أو في الضمان البنكي إلى غير ذلك، فماذا نصنع؟ وما المخرج مما نحن فيه؟ إن من آخر الأحكام التي نزلت على النبي عليه الصلاة والسلام أحكام الربا، كما قال بذلك علماء علوم القرآن، فآخر الأحكام نزولاً هي آيات الربا في سورة البقرة، والربا ذكر في سورة البقرة والروم والنساء وآل عمران، وأكثر الآيات تهييجاً وترهيباً قول ربنا سبحانه:{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ}[البقرة:٢٧٥].
قال قتادة: آكل الربا يبعث يوم القيامة مجنوناً، علامة له على أنه آكل للربا، وجاء في البخاري في كتاب التعبير عن سمرة:(أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يسبح في بحر دم؛ كلما وصل إلى شاطئ البحر ألقم حجراً في فمه فيبلع الحجر، ويعود مرة ثانية ويسبح في بحر الدم) يسبح في بحر دم لأن غالب الربا يكون في الذهب والفضة، أي: في اللون الأحمر؛ ولذلك التعاملات في سوق الذهب تحتاج إلى ضبط شرعي؛ لأن غالب التعاملات تخالف الشرع، وفي حياتنا اليوم بيع الذهب بالتقسيط دون التقابض في مجلس العقد، وتبديل القديم بالجديد مع دفع الفرق، فكلها تعاملات ربوية.
جاء بلال إلى النبي صلى الله عليه وسلم بتمر جيد، فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى التمر وقال:(يا بلال! أوكل تمر خيبر هكذا؟) أي: في جودته، (قال: لا يا رسول الله: إنما هذا تمر جيد استبدلناه بتمر رديء)، يعني: نعطيهم عدداً من التمر الرديء، ويعطوننا بدلاً عنه تمراً جيداً (قال: هذا عين الربا يا بلال!)، لذلك:(التمر بالتمر والفضل ربا).
أيها الإخوة الكرام! إن ربا الفضل والنسيئة والتحذير من آكل الربا وبيان عقوبته هو الأصل الثاني في خطبة النبي صلى الله عليه وسلم:(ألا إن كل ربا من ربا الجاهلية موضوع تحت قدمي هذا)، لكننا اليوم نصر على أن نخرج الربا من تحت قدم النبي صلى الله عليه وسلم ليحكم تعاملاتنا في بقاع الأرض.