[القرآن]
الشعيرة الثانية: القرآن.
والحديث عن القرآن قد يطول قليلاً؛ لأننا هجرنا القرآن أياماً وشهوراً: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان:٣٠]، وهجر القرآن أنواع، قال ابن القيم في (بدائع الفوائد): وينقسم هجر القرآن إلى ستة أقسام: من الناس من يهجر القرآن سمعاً انظر إلى حال الأمة ماذا تسمع الآن يا عبد الله! وانظر إلى حجم أشرطة الغناء الفاحش التي تباع لشبابنا! الشريط الذي حطم المليون ثم دخل على المليون الثاني، كلمات هابطة تزرع النفاق في القلب: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ} [لقمان:٦]، قال ابن مسعود: والله إنه الغناء.
جاء في البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ ابن مسعود: (اقرأ علي القرآن.
قلت: يا رسول الله! أأقرؤه عليك وعليك أنزل؟ قال: إني أحب أن أسمع القرآن من غيري) فكان ابن مسعود يقرأ والنبي صلى الله عليه وسلم يستمع.
يقول ابن مسعود: (فأخذت أقرأ في سورة النساء حتى وصلت إلى قول الله سبحانه: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا * يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} [النساء:٤١ - ٤٢]، فقال صلى الله عليه وسلم: حسبك يا عبد الله!) أي: توقف (فنظرت إليه فإذا عيناه تذرفان بالدموع) صلى الله عليه وسلم.
فانظر إلى حال النبي عليه الصلاة والسلام عند الاستماع إلى القرآن ثم إلى حالنا نحن.
إن آية واحدة كانت سبباً في توبة ابن المبارك والفضيل بن عياض.
فـ ابن المبارك عبد الله -وما أدراك ما ابن المبارك - من سادات التابعين وكبارهم، كان يحب ضرب العود ويدمن عليه، وفي ليلة استيقظ ليضرب العود، فلما أراد أن يضرب أبى العود أن ينطق، فإذا بالعود يتكلم بين يديه بقوله سبحانه: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} [الحديد:١٦]، قال ابن المبارك: آن الآن يا رب! وحطم العود وتاب توبة نصوحاً.
أما الفضيل بن عياض فقد أعطى موعداً لامرأة بالليل، فجاء ليتسلق الجدار إليها، وبينما هو على الجدار سمع صوتاً يرتل: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} [الحديد:١٦]، فقال الفضيل: آن الآن يا رب! وسأجعل توبتي بجوار بيتك الحرام، وتاب توبة بآية واحدة.
إن الملائكة تسمع القرآن والجن كذلك؛ لذلك عند سماع الجن للقرآن قالوا: {إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ} [الجن:١ - ٢].
ثانياً: هجر القرآن تلاوة، من الناس ومن يهجر القرآن تلاوة، وينبغي لكل مسلم من أتباع الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم أن يكون له ورد يقرؤه كل يوم لا يمنعه عن ورده شيء، كان الشافعي رحمه الله يختم القرآن في رمضان ستين مرة، وكان عثمان يختم كل يوم مرة، وكان قتادة يختم كل ثلاثة أيام، وكان الأسود يختم كل سبعة أيام، هكذا كان حال سلفنا، إذا جاء شهر القرآن قالوا: جاء رمضان شهر القرآن، فأقبلوا على القرآن تلاوةً واستماعاً وحفظاً وتدبراً وتفسيراً وتحكيماً؛ لذلك يقول ابن عباس: (كان جبريل يدارس النبي القرآن في رمضان)، ولفظ المدارسة أعم من لفظ التلاوة، المدارسة تعني: القراءة جماعة مع التدبر والتفكر والتفسير، قال: (كان يدارسه القرآن في رمضان في كل عام مرة، وفي العام الذي قبض فيه النبي صلى الله عليه وسلم دارسه القرآن مرتين)، فانظر إلى حال الأمة في تلاوتها للقرآن اليوم يا عبد الله! يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن كمثل الأترجة ريحها طيب وطعمها طيب، ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التمرة لا ريح لها وطعمها طيب، ومثل المنافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريحانة ريحها طيب وطعمها مر، ومثل المنافق الذي لا يقرأ القرآن كمثل الحنظلة طعمها مر ولا ريح لها) فمن أي الأنواع أنت يا عبد الله؟! القسم الثالث: هجر القرآن تدبراً، وربنا يقول: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء:٨٢].
القسم الرابع: هجر القرآن حفظاً، فأين حفظة القرآن في شهر القرآن؟! القسم الخامس: هجر القرآن تحكيماً؛ لأن القرآ