وكان يونس عليه السلام يكثر في دعائه لربه، وهذا هو السلاح الذي نغفل عنه كثيراً، ادع ربك في اليوم والليلة، ادع ربك وأنت صائم وبعد الفجر وعند الظهر وفي العصر وقبل تناول الفطور، وعند القيام إلى السحور، وبعد التراويح، وفي دبر الصلوات، أكثر من الدعاء بكل ما تحتاج إليه.
خرج يونس عليه السلام من بين قومه غضبان؛ لأنهم لم يستجيبوا له، فأعرض عنهم وخرج قبل أن يأذن له الله، فركب سفينة، فبينما هم في وسط البحر جاءها الموج من كل مكان، عند ذلك تعلم علم اليقين أن الناس لا تقول إلا يا رب، فلا ملجأ من الله إلا إلى الله، يشعر بهذا من قطع مسافة العمرة أو الحج في الباخرة، حينما يعلو الموج لا ملجأ من الله إلا إلى الله، فعند ذلك قرر من في السفينة أن يتخلصوا من واحد حتى يخففوا الحمولة فوقعت القرعة على يونس ثم الثانية ثم الثالثة، فألقوه في البحر، فابتلعه الحوت في ظلمة الليل، وفي ظلام البحر وفي ظلمة بطن الحوت، وما احتمال النجاة إلا صفر %، فهو في قاع البحر وبطن الحوت وفي سواد الليل، ولا يمكن أن يكون هناك احتمال للخروج، فنادى من بطن الحوت في ظلام الليل:{لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ}[الأنبياء:٨٧]، فقالت الملائكة: يا رب! صوت معروف من عبد معروف، إنه عبدك يونس بن متى، فأوحى الله إلى الحوت: لا تكسر له عظماً، ولا تأكل له لحماً.
تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة، ومن الناس من لا يدعو ربه إلا في حال الكرب والضيق! قال تعالى:{فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ}[الصافات:١٤٥]، أي: نبذه الحوت على شاطئ البحر وخرج ضعيفاً متعباً مريضاً منهكاً، لكن الله إذا أراد شيئاً هيأ له الأسباب، فقد أنبت عليه شجرة من يقطين، واليقطين نبات يزحف لا ثقل له على الأرض، واراه وغطاه حتى لا يصاب بأذى، حتى أصبح معافى سليماً، فأوحى الله إلى يونس أن يرجع إلى قومه، يقول ربنا:{وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ * فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ}[الصافات:١٤٧ - ١٤٨].