قال تعالى:{الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ}[البقرة:١٩٧] وهي شوال وذو القعدة والعشر الأوائل من ذي الحجة، هذه هي أشهر الحج، والمعنى: أن من نوى الحج فلابد أن يقع منه الإحرام في هذه الأشهر، فله أن ينوي عمرة في هذه الأشهر، فإذا نوى عمرة في شوال -مثلاً- واعتمر ثم بقي في مكة إلى الثامن من ذي الحجة ففي هذه الحالة يصبح متمتعاً؛ لأنه أوقع العمرة في أشهر الحج، فيلزمه هدي؛ لقوله تعالى:{فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}[البقرة:١٩٦].
وهناك نقطة مهمة: لو أن رجلاً من مصر أوقع العمرة في شوال ثم عاد إلى مصر في شوال، ثم ذهب إلى الحج في أول ذي الحجة، وفي ميقات مصر لبى مفرداً في ذي الحجة، فهل يلزمه هدي أم لا؟ الراجح: أنه لا يلزمه؛ لأنه عاد إلى بلده وأنشأ سفراً جديداً للحج، أما المتمتع فيسافر للعمرة والحج سفرة واحدة، وعلى هذا فالميقات الزماني للحج هو شوال وذو القعدة والعشر الأوائل من ذي الحجة، هذا رأي الجمهور.
ولكل بلد ميقات وقته لهم النبي صلى الله عليه وسلم؛ فوقت لأهل المدينة ذا الحليفة التي يسمونها أبيار علي، ولأهل اليمن يلملم، ولأهل الشام الجحفة، ولأهل نجد قرن المنازل، وفي سنن أبي داود أنه وقت لأهل العراق ذات عرق، ثم قال:(هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن)، والمعنى: أن هذه المواقيت لأهلها ولمن يمر عليها أو يوازيها، وعلى هذا فميقات أهل مصر الجحفة، والجحفة منطقة اندثرت الآن وهي توازي رابغ، فدول المغرب العربي ومصر العربية ميقاتها رابغ، فلا يجوز لمن خرج من مصر قاصداً الحج أو العمرة أن يمر على الميقات دون أن يحرم، فإن مر على الميقات دون إحرام فهي مشكلة كبيرة، وعلى هذا فقائد الطائرة يقول: نحن الآن على اقتراب من الميقات، وربان الباخرة يقول: انتبهوا فنحن الآن على مقربة من الميقات، ومعنى هذا: أنه يجب على الحاج أو المعتمر أن يتهيأ، فيمكن أن يتهيأ في بيته فيتطيب ويزيل شعر الإبط ويزيل شعر العانة ثم يغتسل ويلبس ملابس الإحرام وهي بالنسبة للرجل إزار ورداء، وأما المرأة فتحرم في ملابسها شريطة ألا تكون شفافة ولا متشبهة بالرجال، فالرجل يحرم في ملابس بيضاء فلا يجوز للمرأة أن تحرم أيضاً في ملابس بيضاء إنما تحرم في ملابس صفيقة سميكة لا تشف ولا تظهر العورة، ولا يجوز لها أن تكشف الوجه للرجال؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام:(لا تنتقب المرأة المحرمة)، فربما يفهم البعض من أنها لا تنتقب أنها تخلع النقاب وتظهر الوجه، وليس كذلك، بل إن خالطت الرجال فعليها أن تسدل؛ لقول عائشة.
لكن مرضى القلوب من أتباع الفكر العلماني العفن في هذا الزمن أخذوا هذا الحديث حجة على أن النقاب عادة وليس عبادة، قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا تنتقب المرأة المحرمة) ففي أشرف المناسك والفرائض منعها أن تلبس النقاب، إذاً: لا تلبسه في مكان آخر! نحن نقول: إخواني هنا أمرها بألا تلبس النقاب ثم تأتي عائشة وتقول: (كنا إذا خالطنا الرجال أسدلنا)، فلا يجوز للمرأة المسلمة المنتقبة أن تكشف وجهها في مناسك الحج أبداً، ولا أن تلبس القفازين، وإنما تغطي يدها بالعباءة أو بما تلبس.
فلا يجوز لأحد أن يمر على ميقات من هذه المواقيت وهو يقصد الحج أو العمرة إلا محرماً، لكن ما الحل إن مر عليها دون إحرام؟ وما الحل إن كان قاصداً جدة للعمل ولم ينو حجاً ولا عمرة، ثم بدا له أن يعتمر أو أن يحج، فنقول: يحرم من مكانه من جدة ولا شيء عليه؛ لأن القصد عنده من السفر ليس الحج أو العمرة وإنما كان قصده العمل ثم بدا له أن يحج، فيحرم من المكان الذي هو فيه، فإن كان في جدة أحرم من جدة، وإن كان في مكة أحرم من مكة، هذا في الحج، وأما إن كان في مكة ويريد أن يحرم بعمرة فعليه أن يذهب إلى أدنى الحل؛ لأنه لابد أن يجمع بين حل وحرم، فالمعتمر إن كان من أهل مكة لابد أن يخرج إلى أدنى الحل وهو التنعيم، والله تعالى أعلم.