الحمد لله رب العالمين {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنسَانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلًا مَا تَشْكُرُونَ}[السجدة:٧ - ٩]، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ}[فاطر:٣]، خلق الإنسان من سلالة من طين، ثم جعله نطفة في قرار مكين، ثم خلق النطفة علقة سوداء للناظرين، ثم خلق العلقة مضغة بقدر أكلة الماضغين، ثم خلق المضغة عظاماً كأساس لهذا البناء المتين، ثم كسا العظام لحماً هي له كالثوب للابسين، ثم أنشأه خلقاً آخر {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ}[المؤمنون:١٤ - ١٦].
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير {وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[المائدة:١٢٠]، يغني فقيراً، ويفقر غنياً، ويعز ذليلاً، ويذل عزيزاً، ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، مستو على عرشه، بائن من خلقه، لا ينام ولا ينبغي له أن ينام، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ}[فاطر:١٠].
وأشهد أن نبينا ورسولنا وشفيعنا محمداً صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، فما ترك من خير يقربنا من الجنة إلا وأمرنا به، وما من شر يقربنا من النار إلا ونهانا عنه، فترك الأمة على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، اللهم صل وسلم وزد وبارك عليه في الأولين والآخرين والملأ الأعلى إلى يوم الدين.
أحبتي الكرام! نوح عليه السلام أول رسول أرسله الله إلى البشرية، والبشرية كانت على التوحيد الخالص بعد آدم عليه السلام عشرة قرون كما قال ابن عباس عند البخاري، عشرة قرون بين آدم ونوح على التوحيد وإفراد الله عز وجل بالعبادة وحده لا شريك له، ولكن الشيطان أعلنها، وبينها، حينما أخذ على نفسه أن يضل العباد، فأمهله الله عز وجل، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن رب العزة:(إني خلقت عبادي حنفاء، فجاءتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم)، أي: عن صراط الله عز وجل إلى الشرك وعبادة غير الله.
بعد أن كان الناس على التوحيد حادوا عن طريق التوحيد إلى عبادة الأصنام، وبداية الأمر أن قوماً من الصالحين كان قوم نوح يعظمونهم، فلما ماتوا علقوا لهم صوراً في نواديهم، ثم جاء الجيل الثاني وحول الصور إلى تماثيل، ثم بعد ذلك عبدت التماثيل من دون الله عز وجل، ولذلك فإن الغلو في الصالحين هو طريق الشرك دائماً، وإن أردت أن تعرف فشدد النظر إلى ما يحدث عند الأعتاب والقباب، فستجد شركاً صريحاً واضحاً، فهذا ينادي صاحب القبر: اشفني، وتلك تنادي صاحب الضريح: ارزقني الولد، والله يقول سبحانه:{إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ}[فاطر:١٤]، فالذي يملك جلب النفع ودفع الضر هو الله وحده لا شريك له، فكانت بداية الشرك في الأمة تعظيم الصالحين، نقولها لكل من يغلو في حبهم فيطلب منهم المدد من دون الله ويطلب منهم الرزق من دون الله.
فعندما ظهر الشرك في الأرض أرسل الله نوحاً عليه السلام وهو أول رسول إلى أهل الأرض، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، ودعوة نوح هي دعوة جمي